فذلك إمعان في تقرير الحجة عليهم بمنطوق ألسنتهم.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[02 - 10 - 2009, 03:21 م]ـ
ومن قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (41) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (42) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ).
فالاستفهام للتعجب والتقرير، فكل يسبح الرب، جل وعلا، على حد ما أودع فيه من القوى التي لا تدركها حواسنا، على حد قوله تعالى: (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا)، وإن أدرك ذلك من أدرك على حد المعجزة أو الكرامة، كما وقع للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من تسليم الشجر والحجر معجزة، وكما وقع لأصحابه من تسبيح الطعام في أيديهم كرامة.
وأشار إلى الطير حال الاصطفاف، فتخصيصها بالذكر بعد عموم: "مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ" مئنة من عظم شأنها، فالدارس لأجناس الحيوان على حد التشريح لأنسجة الأعضاء والتدقيق في وظائفها يجد في تكوين جسد الطائر آيات كونية تخضع لها العقول والفطر السوية، فغاية البشر محاكاتها فشتان خلق الخالق، عز وجل، لكائن حساس متحرك، يصف جناحيه ويقبض وفق سنة كونية متقنة، وخلق المخلوق فهو أصم أبكم يطير وفق سنن ميكانيكية، هي، أيضا، جارية على حد السنة الكونية، فغايته أنه قد استعمل السنة الكونية وحاكى الصنعة الربانية، وليس الإبداع كالمحاكاة، وليس الطائر الحي الحساس كالطائرة الميتة الجامدة.
ثم ذكر من آيات السماء:
إزجاء السحاب، وهو كما يقول أبو السعود رحمه الله، من سوق الشيء برفق، وقد اطرد استعماله فيما لا يعتد به، فذلك مئنة من كمال قدرة الرب، جل وعلا، إذ تلك السحب الضخام الممتلئة بالماء بالنسبة إلى قدرته الكونية النافذة: مما لا يؤبه له، ثم أطنب في بيان أطواره في معرض دلالة الإيجاد:
ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ: فيؤلف بين أجزائه ثم يركمه بعضه فوق بعض، فترى الودق يخرج من خلاله، فالتقييد بالحال: "يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ" على حد المضارعة التي تستحضر بها الصورة، آكد في تقرير القدرة الإلهية على الإيجاد والعناية الربانية، فرؤية الماء حال نزوله أبلغ في التدبر، وأدعى إلى شكر النعمة. وذلك مراد الرب، جل وعلا، الشرعي من الدلالات الكونية المتنوعة: إيجادا وعناية.
ثم أطنب في ذكر آيات نزول البرد وتولد البرق: وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ
فكل ذلك من الآيات الآفاقية.
ثم ذكر من الآيات الكونية:
يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ: فتقليب الليل والنهار من أدلية الإيجاد من وجه، ومن أدلة العناية من وجه آخر، كما تقدم بيانه في موضع سابق، وقد ذيل بالعلة من إيراد هذه الآية، فهي عبرة كونية على حد التوكيد تحمل الناظر فيها على التزام الطريقة الشرعية، وجاء بالمضارع على ما اطرد من دلالته على التجدد والحدوث فتلك آية كونية متجددة بتعاقب الليل والنهار فضلا عن استحضار صورتها الباهرة فالمضارع عريق في هذا الباب.
ثم ذكر، جل وعلا، صورة من صور دلالة الإيجاد على حد التنوع الذي يدل على طلاقة القدرة الربانية:
¥