تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومن قوله تعالى: (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آَيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ (4) وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ (5) فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (6) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ)

فالشرط وارد في معرض التحدي إمعانا في بيان القدرة الربانية بتعليق نزول آية كونية عظيمة، فالتنكير في: "آية" مئنة من التعظيم، بتعليق ذلك على مشيئته، جل وعلا، الكونية، فحالهم عجب إذ قد أعرضوا عن الذكر الشرعي المتجدد بمشيئة الله، عز وجل، تنزيله على قلوب أنبيائه على حد البشارة والنذارة، إلى البحث والتنقير طلبا لآية كونية على حد التعنت لا التحقق من صدق دعوى النبي الخاتم صلى الله عليه وعلى آله وسلم على حد قوله تعالى: (وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا).

أو أعرضوا عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهو الذكر المحدث على حد قوله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آَمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا (10) رَسُولًا) فجاء البدل مبينا لإجمال المبدل منه على حد التشويق بإيراد المجمل وتعقيبه بالبيان الرافع لإجماله، فهو المقصود بالحكم أصالة، وإنما أورد المبدل منه توطئة له كالخبر الموطئ لوصفه في نحو قولك: هذا رجل عظيم فليس الإخبار عنه بـ: "رجل" مرادا أصالة وإنما المراد نعته بالعظمة التي وطأ لها الخبر اللفظي: "رجل".

فيكون الذكر هنا مجازا عن حامله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لقرينة الملابسة بين حامل الرسالة على حد البلاغ والبيان، وذات الرسالة، فذلك أمر من البداهة بمكان.

ثم جاء الإنذار لهم بقرب تأويل ما كذبوه واستخفوا بشأنه، فهو واقع قريبا لدلالة السين في "فَسَيَأْتِيهِمْ" على قرب تحققه:

فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ.

ثم جاءت الإشارة إلى آية كونية: (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ) في معرض الاستدلال بجنس آيات الإيجاد والإبداع، فصدر بالاستفهام الإنكاري التوبيخي على تقدير معطوف محذوف إمعانا في النكاية على تأويل: أغفلو ولم يروا بعين البصيرة والتدبر: إلى الأرض، فالرؤية قد ضمنت معنى النظر فتعدت بـ: "إلى"، وذلك أبلغ في بيان المراد إذ النظر أخص من الرؤية في باب تأمل المرئي على حد يقع به الانتفاع، وقدم ظرف الرؤية: (إِلَى الْأَرْضِ) إمعانا في التشويق إلى ما بعده من المراد الذي جاء البيان له على حد البدل: كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ، فكم: خبرية تفيد التكثير، وذلك أبلغ في معرض تقرير دلالة الإيجاد والإبداع على حد التنوع الدال على طلاقة القدرة الربانية، فكم من الأزواج الخارجة من الأرض قد انتفع بها البشر أو انتفعت بها دوابهم فذلك من كرم الله، عز وجل، على المكلف الناطق والبهيم الصامت، وفيه إشارة لطيفة إلى معنى الزوجية التي يفتقر فيها الزوج إلى زوجه فتلك سنة كونية قد أقيم الكون عليها في مقابل وحدانية ذاته وأحدية صفاته، عز وجل، فهو الصمد الذي لا ند له ولا شبيه.

وقد استوفت الآية أوجه المنة فالنابت:

كثير المحال بقرينة: "كم".

وكثير الأجناس بقرينة: "كل".

وإليه أشار صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله بقوله: "ومورد التكثير الذي أفادته {كم} هو كثرة الإنبات في أمكنة كثيرة، ومورد الشمول المفاد من {كل} هو أنواع النبات وأصنافه وفي الأمرين دلالة على دقيق الصنع". اهـ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير