تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والأمر بالنظر إلى الكريم إدماج للامتنان، وهو متعلق دلالة العناية، في الاستدلال، كما ذكر ذلك صاحب التحرير والتنوير رحمه الله، فليس الوصف: "كريم" مخصصا للنظر في الكريم دون ما سواه، بل يحصل تمام التدبر بتأمل النافع والضار فتنوعه مئنة من طلاقة القدرة الربانية، كما سبقت الإشارة إلى ذلك، إذ التنوع في المفعولات مئنة من كمال الفاعل، وإنما خص الكريم بالذكر تقريرا للمنة الربانية، فذكره ليس مخصصا للعموم بل هو تمثيل له ببعض أفراده، تقريرا لمعنى المنة المتقدم، فلا يخصصه، كما تقرر في الأصول.

والله أعلى وأعلم.

ـ[أبو طارق]ــــــــ[05 - 10 - 2009, 03:10 م]ـ

تبارك الرحمن

ما أجلَّ ما أنعم الله به عليكم أستاذنا

جزاك الله من فضله, وألبسك حلل العافية, وتقبل الله منك

ـ[مهاجر]ــــــــ[06 - 10 - 2009, 03:26 م]ـ

جزاك الله خيرا أخي الكريم: أبا طارق على حسن الظن، وشكر لك كلماتك الطيبات وتقبل منك صالح العمل وغفر لي ولك ولكل الإخوان الزلل والتقصير.

ومن قوله تعالى:

(قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (23) قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (24) قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ (25) قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آَبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (26) قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (27) قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (28) قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ)

فقالها المخذول على حد التهكم، على حد قولك لمن لا تأبه له: فلان وما فلان؟، فكيف اجترأ ذلك الطاغوت على السؤال عن رب الأرباب، جل وعلا، على حد التهكم والاستخفاف، فذلك، بلا شك، مئنة من عظم جهله بالرب، جل وعلا، وبأوصاف كماله: جمالا وجلالا، فلو استحضر طرفا من ذلك ما تجرأ على الرب، جل وعلا، الذي غره حلمه وصبره عليه، فجرى عليه لاحقا من آثار صفات جلال الرب، جل وعلا، ما صيره عبرة للسابق واللاحق، و: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ).

فأجابه الكليم، عليه السلام، بإيراد طرف من دلالة إيجاده، فهو رب السماوات والأرض على حد الإيجاد والخلق والإبداع على غير مثال سابق، وعلى حد الملك التام القاهر للأعيان والأحوال، فله فرعا عن ذلك الحكم الكوني القاهر: الحكم الشرعي الحاكم بما شرعه على ألسنة الرسل عليهم السلام فهم الحجج المقامة على البرية بما بعثوا به من الشرائع الإلهية.

فتهكم ثانية:

قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ: على حد الاستخفاف، فليس العرض بـ: "ألا" ترفقا بالسامع ليستمع استماع المنتفع المسترشد، وإنما هو العرض في معرض التهكم والسخرية، فجاء رد الكليم عليه السلام على ذات الحد من الصرامة في مقابل تهكمهم مستدلا بنفس الدلالة فهو: رَبُّكُمْ وَرَبُّ آَبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ: فله عموم ربوبية الإيجاد لكل البشر سابقهم ولاحقهم، مع ما يلزم من ذلك من إثبات ربوبية العناية إذ بكلماته الكونيات النافذات صلحت تلك الأبدان، فعاشت من الدهور ما عاشت، وصلحت قلوب المصطفين منهم بما سطع عليها من أضواء الرسالات السماوية فحوى الكلمات الشرعيات الحاكمات.

ومن ثم لجأ فرعون إلى القدح والتشهير بالداعية الجليل عليه السلام على حد ما يقذف به كل داع إلى الله، عز وجل، في كل عصر ومصر، فسلاح القذف بأوصاف السوء أولا:

قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ: على حد التأكيد، فضلا عن تضمنه تهكما جديدا بإثبات وصف الرسالة لا على حد التوقير والتعظيم وإنما على حد الاقتران بوصف الجنون، وذلك مئنة من عظم جهله بالنبوات، فالأنبياء عليهم السلام أبعد الناس عن أوصاف السوء الظاهرة أو الباطنة، فعقولهم أكمل العقول، وأخلاقهم أحسن الأخلاق، وأبدانهم أقوى الأبدان وأكملها هيئة وأبهاها صورة، لئلا ينفر الناس منهم لسوء في بواطنهم بعسر في الأخلاق أو نقص في العقول، أو سوء في ظواهرهم من مرض منفر أو هيئة قبيحة.

وجاء رد الكليم بآية كونية أخص على ما اطرد من بداية الحوار من الاستدلال بدلالة الإيجاد فهو:

قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا: فذلك عموم آخر وفيه تعريض بالمخاطب بذكر أوصاف يعجز عن الاتصاف بها إلا على حد الدعوى المجردة فذلك مما يحسنه كل ذي لسان!، فالبينة المشهودة حاكمة على حد الجزم ببطلان دعواه، فليس له من تصريف أمور البشر: إيجادا أو عناية شيء، ليصح القول بأن له من تصريف أمورهم حكماً وتشريعاً شيء. فليس ذلك إلا للرب الموجد لعباده الكالئ لهم بأجناس النعم الشرعية والكونية على حد التواتر الذي لا ينكره إلا جاحد أو مجنون لم ينعقد التكليف في حقه ابتداء.

فجاء جواب فرعون: قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ:

على حد التهديد فبعد شهر سلاح التشهير بالدعاية الإعلامية القادحة في شخص الداعي إلى الله، عز وجل، يأتي سلاح السجن والتضييق للحد من تفشي قوله في الجماهير فذلك مما يزلزل عروش الجبابرة والطواغيت في كل عصر ومصر، وهو مئنة من الإفلاس من حجة صحيحة يقارعون بها حجة الداعي إلى الله عز وجل.

والله أعلى وأعلم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير