تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ثم ذيل بالركن الثاني من أركان الربوبية: (وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا): فكفى به متصرفا في شؤون خلقه على حد التدبير الكوني والشرعي المحكم، فهو المدبر لأعيانهم بما يسر من أسباب الكون، وهو المدبر لقلوبهم وأحوالهم بما أنزل من أسباب الشرع، فله كمال التصرف والتدبير على الحد الذي يقع به كمال صلاح العباد في معاشهم ومعادهم، فأسباب الكون: صلاح للمعاش، وأسباب الشرع: صلاح للمعاد، ولا يرد على ذلك ما يقع في الكون مخالفا لكلماته الشرعية الحاكمة بمقتضى كلماته الكونية النافذة من شرور جزئية، إذ هي ذريعة إلى وقوع مصالح كونية وشرعية كلية تفوق مفسدتها الجزئية، وهذا أمر مشاهد لمن تدبر أحوال العباد، فالشر طارئ عارض، والشدة بتراء لا دوام لها، فسرعان ما يزول ضررها الحالي، بظهور نفعها المآلي، لمن صبر واحتسب، فالثبات حال الصدمة الأولى ذريعة إلى تحصيل أعظم قدر من تلك المنفعة العاجلة، فالشر ليس إلى الله، عز وجل، شرعا، وإنما يقع بمقتضى كلماته الكونية النافذة، فيكون في المقدور الكائن لا في الفعل المُكَوِّن، كما سبقت الإشارة إلى ذلك في أكثر من موضع، وجاءت الباء المزيدة في: "بالله": توكيدا لذلك المعنى، فضلا عن وقوع نوع تشويق بإجمال أمر الكفاية ابتداء، ثم حصول كمال البيان بالتمييز: "وكيلا"، وهو خبر مضمن لمعنى إنشاء الاكتفاء بالله، عز وجل، وكيلا على حد التوكل التام عليه في تدبير أمر الدين والدنيا، فلا استقلال للعبد بذلك، بل لو وكله الله، عز وجل، إلى نفسه لهلك، فلا تحول له من حال إلى حال ولا قوة له على مباشرة ذلك الانتقال إلا بالله، عز وجل، فلا حول ولا قوة إلا به في تحصيل أسباب الشرع إذ الاستطاعة الكونية التي بها تقع الطاعات لا يوجدها في العبد إلا هو، فهي من لوازم هداية الإلهام التي لا يملكها إلا الرب، جل وعلا، على حد قوله تعالى: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)، ولا حول ولا قوة إلا به في تحصيل أسباب الكون من مطعوم ومشروب ومنكوح ........... إلخ به يكون صلاح النوع الإنساني وبقاؤه، فآل المعنى إلى: واكتف بالله وكيلا، على حد ما قرره الزجاج، رحمه الله، في قوله تعالى: (كفى بالله شهيداً)، وإليه أشار ابن هشام، رحمه الله، في "المغني" بقوله: " والغالبة، (أي زيادة الباء توكيدا)، في فاعل كفى، نحو: (كفى بالله شهيداً) وقال الزجاج: دخلت لتضمن كفى معنى اكتفِ، وهو من الحسن بمكان". اهـ

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[09 - 10 - 2009, 05:28 م]ـ

ومن قوله تعالى: (فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (45) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (46) قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (47) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ)

إذ حصل الاجتماع مع اختلاف النوايا، فغرض الكليم عليه السلام إظهار الحق بآية النبوة الصادقة، وغرضهم إظهار حجة فرعون بتخييلات السحرة الباطلة، فدلالة الإيجاد لدعوى الكليم شاهدة، إذ هي: (تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ)، والإتيان بالمضارع جار على ما تقدم مرارا من استحضار الصورة إذ هي من العجب بمكان، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فهي آية كونية دامغة لتخييلاتهم البصرية، فضلا عن دلالته على الحدوث والتجدد فوقع ذلك من الحية مرارا تقريرا للحجة، فبلوغها الغاية من الفعل بتكراره على حد التمكن فلا معارض لها آكد في تقرير حجة الكليم عليه السلام، ولذلك جاء الجواب على حد الفور:

فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ

فذلك انقيادهم بالفعل قد سبق انقيادهم بالقول، وذلك المراد من تقرير أدلة الربوبية إيجادا وعناية في نصوص التنزيل، كما سبقت الإشارة إلى ذلك مرارا، ثم جاء القول مصدقا للفعل:

قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (47) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير