فعلقوا حكم الإيمان على وصف الربوبية العامة، إذ ما رأوا دليلٌ قاطع على ثبونها لله، عز وجل، على حد الكمال والانفراد، والربوبية الخاصة، إذ ذلك في حق الكليم وهارون عليهما السلام من قبيل العناية الخاصة بالرسل عليهم السلام بتأييدهم بالبراهين النقلية والعقلية المظهرة لحجتهم الرسالية على كل حجة أرضية.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[11 - 10 - 2009, 07:20 م]ـ
ومن سياق إنجاء الكليم عليه السلام ومن معه من بني إسرائيل تظهر دلالة العناية الخاصة بأحد أعظم الخلق قدرا عند الرب، جل وعلا، أحد أولي العزم من الرسل عليهم السلام، ثالثهم في المنزلة بعد الخليلين عليهما الصلاة والسلام: صاحب شريعة الجلال، من كان خلقه الشدة في دين رب العزة والجلال، المصنوع على عين رعاية الباري عز وجل، القريب من قلب من رآه برسم ما ألقاه الله عز وجل عليه من المحبة، مقدم أنبياء بني إسرائيل فرسالته معدن رسالاتهم وكتابه مهيمن على كتبهم فلم ينسخ المسيح عليه السلام منه إلا آيات، حتى بعث النبي الخاتم صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالكتاب المهيمن على التوراة وعلى غيرها من باب أولى فهي أعظم الكتب النازلة قبل الكتاب العزيز.
فهي، كما تقدم، من أدلة العناية الخاصة بمن ذلك وصفه، فمن غيره أولى بفرق البحر آية له ولقومه، فهم له تبع كرامة له عند ربه، عز وجل، فكثير منهم لا قدر له عند الرب جل وعلا، إذ قد ظهر من مكنون صدورهم باتخاذهم العجل ما يوجب سخطة الرب جل وعلا.
فـ: (فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62) فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63) وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآَخَرِينَ (64) وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ (65) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآَخَرِينَ)
فنفى موسى عليه السلام إدراك جمع فرعون لجمعه مع وقوع الترائي بينهما، وهو مئنة من القرب الشديد، فعلة ذلك ما ذيل به على حد العلة التالية لمعلولها: (كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ)، فأكد بالناسخ وأضاف المعية الربانية لنفسه على حد معية النصرة والعناية الخاصة التي هي من أوصاف فعل الرب، جل وعلا، المتعلقة بمشيئته النافذة، فيحدث من آحادها ما شاء كيف شاء متى شاء، فهو مع عباده على الذين هم على حد الانقياد الاضطراري بمعيته الكونية العامة، وهو مع عابديه الذين هم على حد الانقياد الاختياري بمعيته الكونية الخاصة، فذلك من أخص أوصاف ربوبيته، وهو لمن تأمله، من جملة أدلة الحس الظاهر على وجود الرب، جل وعلا، فإن نصرته وإنجاءه لأوليائه وخذلانه وإهلاكه لأعدائه أمر قد بلغ حد التواتر.
فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ: على حد الوحي الشرعي إذ هو نبي مكلم ولا يخلو من معنى الإلهام الكلي الذي يشمل كل صور الوحي، وإضافة الوحي إلى الرب، جل وعلا، على حد التعظيم الذي دلت عليه: "نا"، مئنة من كمال عنايته بكليمه عليه السلام، والفورية في: "فانفلق": مئنة أخرى من تمام تلك العناية الخاصة، إذ وقع الانفلاق فورا، فمر الكليم بقومه وأغرق فرعون وجيشه.
فالآية: نص في إثبات الربوبية الخاصة: ربوبية المعية والعناية الخاصة بأولياء الرب، جل وعلا، وذلك معنى، كما تقدم، قد تواتر في كل الأعصار والأمصار، فلا يخلو زمان من فئة مؤمنة تقام بها الحجة على غيرها، فهي أهل للعناية والمعية الربانية فضلا من الله، عز وجل، بمقتضى ما كتبه الرب على نفسه، على حد قوله تعالى: (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ).
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[12 - 10 - 2009, 02:51 م]ـ
ومن قول الخليل عليه السلام:
¥