تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومن قوله تعالى: (أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آَيَةً تَعْبَثُونَ (128) وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (129) وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (130) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (131) وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ (132) أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ (133) وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ)

فالاستفهام إنكاري توبيخي، والآية هي البناء العظيم، فكان لهم من ربوبية الإيجاد: الخلق العظيم، ومن دلالة العناية: وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ (132) أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ (133) وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ: على حد البدل المطابق، ولذلك حسن الفصل لكمال الاتصال، وإنما أجمله ابتداء ثم فصله تقريرا للمنة الربانية، إذ في عطف الخاص المبيِّن على العام المبيَّن نوع تشويق بإيراد المبدل منه موطئا للبدل.

وعدد أجناس العناية على حد التفصيل إمعانا في تقرير المنة الربانية.

وعلل الأمر بالتقوى على حد الفصل على ما تقرر من تذييل المعلول بعلته فعلته المؤكدة بالناسخ: "إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ"، فذلك غاية ما تقرر من أدلة الربوبية، إذ مخالفة الأمر الشرعي مع توارد النعم الكونية، بل مع امتناعها إذ الرب هو المحمود بكمال ذاته وأوصافه وصل إلى المكلف من آثارها شيء أو لم يصل، فكيف والخلق في آثار رحماته الشرعية والكونية يتقلبون، فآثار النعمة الشرعية العظمى: نعمة النبوة: حافظة لأرواحهم، وآثار النعم الكونية: حافظة لأبدانهم، مخالفة الأمر الشرعي على التفصيل السابق مظنة وقوع العذاب الكوني جزاء وفاقا، فيدل بمفهومه على امتناع التعذيب بالتزام أحكام التكليف، فليس لله حاجة في تعذيب عباده وقد خلقهم ليرحمهم، وابتلاهم ليطهرهم، فـ: (مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا)، فالتكليف لا يكون إلا بمقدور رحمة بالمكلفين، والعقاب لا يكون إلا على ترك ما فيه صلاح دينهم ودنياهم، فهو عند التحقيق، لهم لا عليهم، إذ هو زجر ووعيد يحمل المكلف على امتثال المأمور فعلا، وامتثال المحظور تركا. وبه يظهر عدل الرب، جل وعلا، وحكمته إذ قد باين في الجزاء فرعا عن التباين الكائن في الأعمال فلا يستوي أصحاب الطاعة وأصحاب المعصية على حد قوله تعالى: (لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ)، فالتسوية بينهما جارية مجرى التسوية بين المختلفات وذلك خلاف القياس العقلي الصريح، كما تقدم في أكثر من موضع، فهو محط الإنكار الإبطالي في قوله تعالى: (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ).

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[15 - 10 - 2009, 05:41 م]ـ

ومن قوله تعالى: (أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آَمِنِينَ (146) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (147) وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ (148) وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ (149) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (150) وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (151) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (152) قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (153) مَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا فَأْتِ بِآَيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (154) قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (155) وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ (156) فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ)

فذكرهم بدلائل العناية من الجنات والعيون وما تحويه تلك الجنات من زروع ونخيل، فضلا عن ربوبية إيجادهم على حد من العظمة والقوة بلغ نحت الجبال.

ثم ذكر آية كونية في معرض التحدي، على غرار ما تقدم من عصا موسى، فجنس انقلاب الجماد حي في كليهما كائن، فالناقة آية كونية في معرض تقرير ربوبية إخراج الحي من الميت.

وعلى ما اطرد من قياس الطرد في حال الأمم المكذبة، لما كذبوا بقلوبهم وألسنتهم، وتعدوا بأفعالهم، فعقروا الناقة التي اقترحوها بأنفسهم آية، جرت عليهم سنة الإهلاك الكونية على حد المضي والفور الذي دلت عليه الفاء في: (فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ)، فذلك من جهة: مئنة من ربوبية الجلال، ومن جهة أخرى: مئنة من وجوب امتثال أحكام النبوات تألها لئلا يقع العذاب على حد الاستئصال، كحال الأمم الماضية، أو التنقص بكثرة الأسقام والأوبئة وكثرة الهرج كما هو مشاهد في واقعنا المعاصر إذ استوجب حالنا وقوع النقمة الكونية عدلا، فلو راجعنا ديننا لارتفعت وحلت محلها النعمة الكونية فضلا.

والله أعلى وأعلم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير