ـ[مهاجر]ــــــــ[16 - 10 - 2009, 05:50 م]ـ
ومن قوله تعالى: (كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (176) إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ (177) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (178) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (179) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (180) أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ (181) وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ (182) وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (183)
وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ (184) قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (185) وَمَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (186) فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (187) قَالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ (188) فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ).
فأمرهم بعد التوحيد بإيفاء الكيل فتلك نقيصة ابتلوا بها، وأطنب في تقرير ذلك المعنى بقوله: (وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ)، فخص ثم ذيل بالعموم: (وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ). وهو عموم مؤكد بالحال التوكيدية لمعنى عاملها إذ لا يكون الفعل: "تعثوا" إلا على حد الإفساد بخلاف السعي أو السير فإن معناهما الكلي منقسم إلى ما فيه الصلاح وما فيه الفساد.
ثم استدل على أحكام الألوهية بدلالة ربوبية الإيجاد: (وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ)، على ما اطرد مرارا من التلازم بين أحكام الربوبية وأحكام الألوهية.
وأطنب بذكر الجيل الحالي والأجيال السابقة مئنةً من عموم قدرة الرب، جل وعلا، على الإيجاد، وجاء في سياق آخر قدرته على إيجاد ما سيكون بمقتضى قدره الكوني النافذة وحكمته البالغة، فقال تعالى في سورة النحل: (وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ)، فاستوفى بذلك أوجه القسمة العقلية الممكنة في معرض تقرير عموم قدرته النافذة فخلق السابق والحالي واللاحق الذي قدر خلقه من الأزل ولما يخرجه إلى عالم الشهادة بعد.
والإتيان بالموصول أبلغ في تفريع حكم: "اتقوا" على المعنى الذي اشتقت منه الصلة: "خلقكم"، فذلك آكد في التقرير من الإتيان بالمعنى صراحة.
ولما تحدوه وبارزوه بالتكذيب جاء العذاب على حد الفور والتعقيب في: (فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ)، فكان آية من آيات ربوبية الجلال القاهر.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[17 - 10 - 2009, 04:39 م]ـ
ومن قوله تعالى: (فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (8) يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9) وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآَهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (10) إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ)
فناداه الله، عز وجل، على حد الوصف لا الضمير أو الاسم العلم: "موسى" إيناسا له، كما ذكر ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، وسبح نفسه، جل وعلا، على حد الألوهية: "اللَّهِ"، و الربوبية: "رَبِّ الْعَالَمِينَ" فله جل وعلا منهما الوصف الكامل على حد الانفراد، وذلك مما يلائم التوطئة إلى ما بعد ذلك من الإنعام على الكليم عليه السلام بنعمة النبوة: أعظم صور العناية الربانية بالخلق الذين هم في أمس حاجة إليها، إذ بها قوام أرواحهم كما بالطعام والشراب قوام أبدانهم، فالرب، جل وعلا، هو المتصرف في أمر خلقه المدبر لهم بما فيه صلاح أديانهم وأبدانهم، وهو العالم حيث يجعل رسالته فيصطفي لذلك أكمل خلقه: خُلُقا وخَلْقا، وهم الأنبياء عليهم السلام، ثم ذيل بتوطئة أخرى لتلك النعمة الربانية السابغة:
يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ:
¥