تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (15) وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ: وراثة نبوة إذ قد وردت في سياق مدح ولا يمدح ابن بوراثة ملك أبيه الدنيوي، وإلا صح مدح كل من مات أبوه فخلف له تركة يرثها وراثة التعصيب، وذلك من الفساد بمكان.

وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ: فذلك خصوص في معرض بيان دلالة العناية الربانية به، ثم جاء الإطناب بالعموم: وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ: فـ: "كل": بحسب السياق الذي ترد فيه، فآل المعنى إلى: وأوتينا من كل شيء يؤتاه الملوك من أبهة الملك، والإتيان بلفظ الإتيان الذي لا يقبل المطاوعة آكد في تقرير النعمة الربانية عليهما، فالنبوة: عطاء رباني ملزم لا يقبل الرد أو الاستقالة.

ثم جاء التذييل بوصف ذلك الملك على حد ما تقدم من الإطناب في تقرير نعمة الرب، جل وعلا، عليهما: الشرعية بالنبوة والكونية بالملك.

إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ.

وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ: فذلك مشهد آخر يبين ما اختص به سليمان عليه السلام من نعمة تسخير الكائنات له على حد الجندية فهي بأمره تعمل، وهو بأمر من ملكه وأنعم عليه بنعمة الوحي يعمل، فكل في فلك طاعة الرب، جل وعلا، يسبح.

ولما ظهرت صورة من صور تلك العناية به إذ علم منطق النمل، أردف بلازم ذلك من الأمر الشرعي: (رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ): فصدر الدعاء بالربوبية إذ المقام مقام تقرير للنعمة الربانية، والنعم من آثار صفات جماله، جل وعلا، كما أن النقمة من آثار صفات جلاله عز وجل.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[19 - 10 - 2009, 02:58 م]ـ

ومن خبر الهدهد في سورة النمل:

(إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (23) وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (24) أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (25) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ).

فكان ذلك الهدهد صحيح المعتقد، متين الديانة، شديد الغيرة على مقام الربوبية الذي انتهكه أولئك بالسجود للشمس، إذ زين لهم الشيطان عبادة النجوم والكواكب على وزان ما وقع فيه الصابئة من الفلاسفة ومن شاكلهم ممن ردوا ربوبية الخلق إلى الباري، عز وجل، ونسبوا ربوبية التدبير إلى الأجرام السماوية، وذلك من الشرك في الربوبية الذي مؤداه: الشرك في الألوهية بتعليق الخوف والرجاء بمن بيده تدبير من في الأرض ومن في السماء، فلا ينفك فساد أحد نوعي التوحيد عن فساد في الآخر، فذلك من التلازم بمكان، فمن انتقص من وصف الرب أو فعله نقص من إيمانه بقدر ذلك إلى حد المروق من الديانة.

فالشاهد أنهم عطلوا الرب، جل وعلا، عن وصف ربوبيته المهيمن، فتعطلت بواطنهم وظواهرهم عن جنس الطاعات التي بها يتأله المؤمن.

ثم ذيل الهدهد مقالته بطرف من دليل العناية بالبشر إذ ألهمه الكشف والتنقيب عن الماء الذي به قوام الحياة، فمن ركب الهدهد على هذا الحد من الإعجاز بإلهامه طرائق تتبع الماء في باطن الأرض، فذلك من دلائل إيجاده البديع، ومن امتن على البشر بإيجاد تلك الأدلة الهادية إلى سبب الحياة، ومن علم خبايا النفوس كما قد علم الهدهد معرفة خبايا الأرض، فالتذييل بعلمه، جل وعلا، السر والعلن مما يلائم وصف الهدهد، من ذلك وصفه هو وحده المستحق للسجود الذي صدر به الهدهد قوله، فالتذييل بأوصاف الربوبية: (أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ)، والإطناب بذكر ربوبيته لأعظم المخلوقات: العرش، جار مجرى التذييل بالعلة، فذكر

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير