تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[مهاجر]ــــــــ[23 - 10 - 2009, 09:53 م]ـ

ومن قوله تعالى:

(أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (62) أَمْ مَنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ):

فذلك من ربوبية العناية العامة بكل مضطر، وإن كان كافرا، على حد قوله تعالى: (وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا)، فـ: "أل" في "المضطر" جنسية استغراقية، وذلك مما يستدل به المصنفون في أصول الدين على وجود الله، عز وجل، بدلالة الحس، فإن إجابة الدعاء عموما، ودعاء المضطرين خصوصا، مئنة من وجود قوة قادرة مهيمنة تكشف الضر والسوء بقدر كوني نافذ لا راد له ولا معارض من إرادات البشر، فلا يملك أحد كشف ضر إذا لم يرده الباري، عز وجل، ولا يملك أحد إيصال نفع إن لم يرده، تبارك وتعالى، فلا مبدل لكلماته الكونيات بالعافية أو الابتلاء، فمن عافاه بكشف الضر فذلك من فضله، ومن ابتلاه بإيصاله إليه فذلك من عدله، فلا يسأل عما يفعل لتمام قدرته وحكمته، وغيره عن فعله مسئول فرعا عن كونه مبتلى بالشرع تصديقا وامتثالا، والقدر صبرا واحتسابا.

ثم ذكر من دلائل العناية: جعلهم على حد الاستخلاف في الأرض: استخلاف الابتلاء إذ لا يغيب، جل وعلا، بأوصاف كماله المحيطة عن كونه، بل هو معنا بعلمه فينا، وجنده من الملائكة الكتبة والحفظة.

وذكر أيضا على ذات الحد من ربوبية العناية:

هدايتهم في الظلمات وإرسال الرياح بشرا بين يدي رحماته من الغيث النازل من السماء، فالتعبير بالرحمة من باب ذكر المسبِّب وإرادة المسبَّب، إذ الغيث عن رحمته صادر وبكلماته الكونية النافذة كائن، وذيل كلاً بلازم ذلك من وجوب إفراده بالألوهية إذ قد ذم من اتخذ معه آلهة بما دل عليه الاستفهام الإنكاري على إبطال لطريقته وتوبيخ له فقد حاد عن طريقة النبيين إلى طرائق المشركين.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[24 - 10 - 2009, 03:05 م]ـ

ومن قوله تعالى: (أَمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (64) قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ)

فبدء الخلق: ربوبية إيجاد أولى بالإبداع على غير مثال سابق.

وإعادته: ربوبية إيجاد ثانية، وهي، كما سبق في مواضع أخرى، أهون من الأولى، فقياسها عليها في معرض إثبات البعث الآخر من قبيل: قياس الأولى، ودلالة: "ثم" على الترخي مما يلائم الواقع في عالم الشهادة، إذ يعيش الإنسان بعد إيجاده الأول سنوات ثم يقبر دهورا، ثم يبعث يوم القيامة عقيب النفخة الثانية، على حد قوله تعالى: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ).

ثم ثنى بذكر ربوبية العناية فالرزق النازل من السماء: وحيا كان أو مطرا، مئنة من كمال عنايته، جل وعلا، بالبشر: إذا أنزل لأرواحهم الوحي الذي هو روح أخرى تحيى به النفوس بل هو أعظم قدرا من الروح المخلوق، فهو روح غير مخلوق، قد صدر من الباري، عز وجل، صدور الوصف من الموصوف، بخلاف الروح الذي بين جنبي الإنسان فهو روح مخلوق قد صدر من الباري، عز وجل، صدور المخلوق من الخالق، فلا يستوي الروحان، وإن اشتركا في المبنى اللفظي والمعني الكلي المشترك فالتواطؤ بينهما: تواطؤ في أصل المعنى على حد الاشتراك المعنوي لا تطابق في الحقيقة، إذ لكل حقيقته اللائقة به، فلوصف الرب، جل وعلا، حقيقة تليق بكماله، وللروح المخلوق حقيقة تليق به، ومرد كليهما عند التحقيق إلى كلمات الرب، جل وعلا، إذ الروح النازل من كلماته الشرعيات الحاكمات، والروح المخلوق قد كان بكلماته الكونيات النافذات.

وأنزل لأبدانهم الماء الذي به تكون الحياة، على حد قوله تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ)، وإطلاق الرزق على الماء من باب المجاز المرسل عند من يقول بوقوعه في التنزيل، إذ أطلق المسبِّب وأراد المسبَّب، فبالماء ينبت الرزق من الأرض، فيتناوله الإنسان والبهيم فتقوم به الأبدان، فضلا عن كونه رزقا في نفسه، إذ هو مما يتناول، أيضا، لحفظ الأبدان، بل حاجة البدن إليه، أعظم من حاجته إلى مسبَّبه من الرزق المطعوم، ولذلك كان تناوله أيسر، فذلك من رحمات الرب، جل وعلا، الكونية بعباده إذ الشيء كلما كان الناس إليه أحوج كان تناوله أيسر وأسهل، وذلك، معنى مطرد، في الأرزاق النفسانية والأرزاق البدنية، كما قرر ذلك ابن تيمية، رحمه الله، في "النبوات"، فحاجة البشر إلى رزق النبوة أعظم حاجة، ولذلك أقام الله، عز وجل، عليها من الدلائل النقلية والعقلية والحسية ما بلغ حد التواتر الذي يورث الناظر فيه اليقين بصحة أو كذب مدعي الرسالة فلا يختلط عليه الأمر، ولذلك كانت دلائل نبوته صلى الله عليه وعلى آله وسلم أظهر وأكثر من دلائل نبوة غيره من الرسل عليهم السلام إذ رسالته عالمية لكل أمم الأرض، فلزم أن تكون حججها أقوى ودلائلها أظهر لتقام بها الحجة الرسالية على سائر الأمم.

والله أعلى وأعلم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير