تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[مهاجر]ــــــــ[03 - 11 - 2009, 05:22 م]ـ

ومن قوله تعالى: (فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ)

فبدأ بالتنزيه بالتسبيح على طريقة التخلية من أوصاف النقص التي تنزه عنها الرب، جل وعلا، على حد الإطلاق، ثم عقب بالتحلية بأوصاف الحمد التي اتصف بها على ذات الحد من الإطلاق، فله الحمد على حد الاستحقاق والاختصاص بكماله، فـ: "أل": في: "الحمد": جنسية استغراقية لأجناس المحامد كما وكيفا، مع كونه، جل وعلا، المحمود في كل مكان، في الأرض وفي السماء، وفي كل وقت في العشية والظهيرة فاستوفى السياق أوجه القسمة العقلية الزمانية والمكانية.

ثم جاء التذييل بقوله تعالى: (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ): على حد التعقيب على المعلول بعلته، كما حكى صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله ذلك وجها، فعلة استحقاقه لكمال التسبيح والحمد: أنه: يخرج: فالمضارع مئنة من الاستمرار والتجدد إذ له، جل وعلا، في كل وقت: ضاق أو اتسع: كلمة كونية بها تكون حياة، وإخراج الحي من الميت أبلغ في تقرير دلالة الإيجاد المعجز، فيخرج الفرخ من البيض الصلب الجامد، ويخرج الخلايا الحية من الخلايا الميتة، فملايين الخلايا تفنى يوميا وتستبدل الخلايا الجديدة بها، فمن موتها وفنائها تتولد حياة جديدة للبدن بتجدد خلاياه، ويخرج الأجنة الحية من النطف الميتة بتوالي الانقسامات الخلوية ثم نفخ مادة الحياة فيها بعد مائة وعشرين يوما .......... إلخ من صور الإيجاد المعجز من العدم.

وله في المقابل على حد المقابلة إمعانا في تقرير عموم ربوبية الباري، عز وجل، بخلق الشيء وضده، وفعل الشيء وعكسه على وجه يحصل به الكمال لا التضاد والاضطراب، له في كل وقت ضاق أو اتسع: كلمة كونية أخرى بها يكون موت، فيفني النطفة ليخرج منها العلقة، ويفني العلقة ليخرج منها المضغة ......... إلخ، فذلك مما رد به المحققون من أهل العلم على نظرية توالي الأعراض على مادة العالم أو جواهره القديمة الأزلية، على حد زعم الفلاسفة القائلين بقدم العالم، فالمادة واحدة من الأزل، إذ الكون، بزعمهم، أزلي مقارن لذات الله، عز وجل، فهو صادر عنها صدور المعلول من علته، فتتوالى الأعراض على مادة واحدة لا تفنى ولا تستحدث من العدم، وذلك من البطلان بمكان إذ يحدث الرب، جل وعلا، ما شاء من العدم، فذلك فطره لخلقه، فقد فطر وبدع السماوات والأرض على غير مثال سابق، وبدء خلق الإنسان من طين على غير مثال سابق، ويفني الرب، جل وعلا، ما شاء من الأعيان سواء خرج منها بعد الفناء: حياة جديدة على حد ما يقع للنطفة بعد إفنائها لتخرج منها صورة جديدة من صور الحياة الجنينية: صورة العلقة التي تفنى بدورها ............ إلخ، كما تقدم، حتى يخرج الجنين إلى فضاء الدنيا الواسع، ولا يتوقف جسده عن مباشرة الموت كل لحظة، وإن لم يحس بذلك، فضلا من الرب، جل وعلا، وامتنانا، فخلاياه في نشاط متجدد، يفنى بعض ليُوجَد بعض،، فيفني الرب، جل وعلا، ما شاء كيف شاء سواء أخرج من الفناء حياة أو لم يخرج.

ومنشأ الزلل عند أولئك أنهم أنكروا صفات الرب، جل وعلا، التي عنها تصدر أفعاله التكوينية على حد النفاذ، فهو القدير على كل شيء، وعلى حد الإتقان فهو الحكيم المحكم لكل شيء، فلما أنكروا صفاته الفاعلة، ردوا الأمر إلى ذات مجردة عن الصفات لا وجود لها خارج الذهن، إذ المطلقات على حد الإطلاق من كل قيد لا توجد في الخارج، وإنما محلها الذهن على حد التصور المحض، فأداهم ذلك التعطيل إلى الوقوع في الشرك إذ جعلوا الذات المجردة التي نحتتها أذهانهم هي علة صدور الكون، على حد تقترن فيه العلة بالمعلول، والصحيح أن المعلول المخلوق يلي العلة التي يكون بها الخلق من الكلمات التكوينية النافذة غير المخلوقة إذ هي من أوصاف الرب جل وعلا، يليها على حد التعقيب والفور، على حد قوله تعالى: (كُنْ فَيَكُونُ): فعقب بالفاء إذ صدر المخلوق المكوَّن فور صدور الكلمة التكوينية المكوِّنة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير