تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وقد حسن الفصل على هذا التأويل: للتلازم الوثيق بين المعلول المتقدم من الحث على تسبيح الرب، جل وعلا، وحمده، وعلته إذ هو الخالق المدبر، فاستحق التأليه بالتسبيح والتحميد فرعا عن نفاذ قدرته وكمال حكمته في تسيير شئون خلقه، فكأن المخاطب قد تبادر إلى ذهنه سؤال قد دل عليه السياق: ولم استحق ربنا، جل وعلا، التنزيه والإثبات على حد يحصل به الكمال؟، فجاء الجواب: لكمال ربوبيته إذ هو الذي يخرج الحي من الميت ............. إلخ.

فالخبر عن التسبيح وإفراده، جل وعلا، بالحمد، جار مجرى الخبر الذي أريد به إنشاء مضمونه، فتقديره: سبحوا الرب، جل وعلا، تنزيها، وأفردوه بالحمد على حد العموم لأجناس المحامد مع اختصاصه بكمالها.

وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ: على حد المقابلة، على ذات الصيغة من المضارعة وفيها إشارة لطيفة إلى ذلك الفعل المثير للعجب، فاستحضرت صورته إمعانا في تقريره، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير"، رحمه الله، بقوله: "والإتيان بصيغة المضارع في {يخرج ويحيي} لاستحضار الحالة العجيبة مثل قوله {الله الذي يرسل الرياح} [الروم: 48]. فهذا الإخراج والإحياء آية عظيمة على استحقاقه التعظيم والإفراد بالعبادة إذْ أودع هذا النظام العجيب في الموجودات فجعل في الشيء الذي لا حياة له قوة وخصائص تجعله ينتج الأشياء الحية الثابتة المتصرفة ويجعل في تراب الأرض قُوى تُخرج الزرع والنبات حياً نامياً". اهـ

ثم جاء النص على صورة بعينها من صور إحياء الموات: إحياء الأرض بعد موتها: وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا، على ذات الحد من المضارعة لنفس الغرض، فذكرها من باب الإطناب بورود الخاص بعد العام، فالأرض الميتة فرد من أفراد عموم: "الميت": المحلى بـ: "أل" الجنسية الاستغراقية.

و: وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ، فهو من باب الاستدلال بالشاهد على الغائب، فجنس الإحياء من الموت في كليهما واحد، فيخرج الزرع من الأرض الميتة بعد بذرها وسقيها، وتنشر الأجساد يوم البعث إذا قضى الله، عز وجل، بزوال الدنيا وقدوم الآخرة. وفي ذلك استدلال بآيات الربوبية الباهرة على ركن من أركان الإيمان الشرعي: ركن البعث بعد الموت فهو داخل في حد الإيمان بالله القادر على البعث، واليوم الآخر الذي يكون فيه البعث.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[04 - 11 - 2009, 05:59 م]ـ

ومن قوله تعالى: (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ)

فمن جنس آياته الكونية الباهرة، أو من بعضها، أو ابتداء غاية التمثيل لآيات قدرته النافذة منها، على ما اطرد من دلالة: "من"، فهي غالبا ما تدل على أكثر من معنى صحيح، فحملها على تلك المعاني جميعا أولى من إهدار بعضها، إذ ذلك مما يثري السياق بتوارد المعاني المتعددة على مبنى واحد كما سبقت الإشارة إلى ذلك في أكثر من موضع.

وصدرت الآية بإجمال أعقبه البيان، فمن آياته الدالة على كمال قدرته وإتقان صنعته: أن خلقكم: فجاء المسند على حد المصدر المؤول إذ فيه من معنى التوكيد على آية الإيجاد المعجز ما ليس في الاسم الصريح، وذلك مما يتلاءم مع السياق، فخلقكم من جنس التراب، أو ابتداء غاية خلقكم منه، باعتبار نشأة هذه الأجساد من الغذاء الذي ينبت يخرج من تربة الأرض، فمرد الأمر إلى الأرض انتهاء فمنها خلق الإنسان وفيها يعاد ومنها يخرج على حد الإنبات تارة اخرى، ففي ذكر الخلق الأول من الأرض على حد الفطر على غير مثال سابق إشارة لطيفة إلى البعث، إذ الإعادة، كما تقدم في مواضع سابقة أهون من الإنشاء من العدم على غير مثال سابق، وكلا الأمرين على رب المشرقين ورب المغربين: هين.

أو باعتبار الأصل الأول الذي خرج من نسله الجنس البشري: آدم عليه السلام، إذ قد خلق من الطين خلقا مباشرا، بخلاف من جاء بعده فقد خلق من نطفة ترجع في أصلها إلى الطين، ولكنها لم تكن يوما طينا، ثم نفخت فيها الروح فصارت لحما ودما على حد ما وقع لآدم عليه السلام من الإيجاد المعجز. وقد أشار صاحب "التحرير والتنوير"، رحمه الله، لكلا الوجهين.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير