تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وفي كل الصور ظهرت آثار القدرة الباهرة، إذ قلبت الأعيان، على حد ما تقدم في الآية السابقة من إخراج الحي الحساس من الميت الجماد، فخرج آدم من الجسد الطيني لما نفخ فيه الرب العلي الروح، ففني الطين بخروج العظم واللحم والدم والعصب والجلد والشعر .......... إلخ منه، فلا يلزم من خلق الإنسان من التراب أو الطين أنه باق على أصل خلقته، بل قد عدم ذلك الأصل فتولد منه الجسد الحساس المتحرك، فأفنى الله، عز وجل، بقدرته النافذة: التراب، وأخرج منه النطف في الأصلاب، ثم أفنى النطفة فخرجت منها العلقة ............. إلخ، كما تقدم في الآية السابقة، فمعنى الاستحالة من عين إلى عين في كلا الصورتين واقع، فقد فني التراب وأعدم، وخرج منه: الجسد الحساس، على حد فناء الأطوار الجنينية فيستبدل الطور الأرقى بالطور الأدنى، وبقي الأصل الترابي في تركيب الخلايا الكيميائي شاهدا على صدق الوحي الذي أبان عن مادة خلق هذا الجسد الحي.

وبعد ذلك، وعلى حد التراخي الذي دلت عليه: "ثم"، إذ تستغرق تلك الأطوار زمانا بمقتضى السنة الكونية المحكمة، بعد ذلك جاء التذييل بدلالة العناية بتلك الأجساد المخلوقة، مصدرا بـ: "إذا" الفجائية تعجبا من تلك الآية الكونية التي صار الجماد فيها حيا بنفخ الملك الروح فيه، فلها من القوى الفاعلة ما تتحرك به وتنتشر بعد أن كانت جمادا ميتا، ثم صارت حيا عاجزا عن الانتقال إلا أن يحمل، فلما اكتمل بنيانه استقل بالفعل، فيذهب ويجيء بلا حاجة إلى من يحمله، فإذا طال عليه الأمد وكلت قوى بدنه الفاعلة احتاج انتهاء إلى ما يحمله كما احتاج إليه ابتداء فتلك سنة كونية أخرى، يظهر بها كمال الرب، جل وعلا، إذ لا يطرأ على وصف كماله الأزلي الأبدي زيادة أو نقصان أو تغير أو فناء فله الكمال المطلق أزلا وأبدا بلا نقص بينهما، فيظهر هذا الكمال في مقابل نقصان العبد الذي يبدأ ضعيفا ثم تكتمل قواه ثم يعتريها النقص والضعف مرة أخرى، فلا يدوم لها حال، بل هي من حال إلى حال متنقلة حتى تشد رحالها في آخر أمرها إلى ربها عز وجل، فهي في سفر هجرة إليه من لدن شاء وجودها فخلقها إلى أن يشاء إعدامها فيميتها.

فالبشرية مئنة من نعمة الحياة والإحساس والانتشار مئنة من نعمة التصرف والحركة، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله.

وذلك آكد في تقرير دليل العناية.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[05 - 11 - 2009, 05:43 م]ـ

ومن قوله تعالى: (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)

فـ: من آياته على الإطناب تكرارا في معرض التذكير بالآيات الكونية الباهرة، ولطول الفصل الذي يلائمه التكرار على حد التذكير.

وجاء المسند إليه أيضا على حد المصدر المؤول إذ هو آكد في الدلالة من الاسم الصريح.

واللام في: "لكم": للاختصاص، ففيه مئنة من عناية الله، عز وجل، بهم، فخلق الأزواج جامع بين الدلالتين: دلالة الإيجاد المعجز إذ خلق آدم عليه السلام على غير مثال سابق، وخلق منه زوجه، فـ: "من" في: "من أنفسكم": جنسية، فمن جنسكم خلق لكم الأزواج، إذ الزوجية لا تكون إلا بين اثنين من نفس الجنس مع اختلاف النوع ليحصل التكامل المفقود في زماننا بين الزوجين، فقد صار تعارضا، باكتساب كل نوع جملة من صفات النوع الآخر، فترجلت النساء وتخنث الرجال فذلك حصاد الاختلاط الذي غير الفطرة الأولى، وهكذا أي خروج عن مقتضى السنة الكونية المطردة يوقع صاحبه في صور من التناقض تفسد حاله ومزاجه. وقد تحمل على التبعيض إذ خلقت حواء عليها السلام من بعض آدم، وهي محمولة، أيضا، على ابتداء الغاية، فابتداء غاية خلق حواء عليها السلام من ضلع آدم عليه السلام، وعلى كل تلك المعاني تظهر دلالة الإعجاز في خلق النوع الإنساني، فمن خلق أولا، قادر على الإعادة ثانيا، كما تقدم في أكثر من موضع، فإن الخلق الأول دال على الخلق الثاني بقياس الأولى، فهو جامع بين دلالة الإيجاد ودلالة العناية التي دلت عليها اللام في: "لكم" فهي مئنة من الاختصاص عناية بالذكر أن خلق له زوجه من الأنثى، وبالأنثى أن خلق

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير