لها زوجها من الذكر، فالمنة في حقهما سواء، إذ يستمتع كل منهما بالآخر، ويكمل كل منهما نقصه بالآخر، ويسكن كل منهما إلى الآخر بمقتضى ما جبل عليه كل جنس من الميل إلى الجنس الآخر، فذلك، أيضا، مئنة من إتقان الصنعة، فضلا عن كونه مما تظهر به حكمة الرب، جل وعلا، إذ قد أقام الكون على معنى الزوجية، فكل زوج بزوجه يعتضد، فالبروتون الموجب في نواة الذرة يعادل الإلكترون السالب الذي يسبح حولها في فلك مقدر، والجاميتات المذكرة في الكائنات البدائية تتحد بالجاميتات المؤنثة لتنتج خلايا ومستعمرات جديدة، والطلع والمتاع في النبات يتكاملان لإنتاج الثمار التي تحوي البذور الحافظة للنوع من الانقراض، والذكر والأنثى في عالم الحيون أرقى الكائنات يتكاملان لإنتاج أفراد تحفظ بها الأنواع، والزوجان في النوع الإنساني، أرقى الأنواع الأرضية يتكاملان لحفظ النوع وتنشأته، فمفهوم الاجتماع في حقه أرقى بما ركب فيه من العقل والفؤاد، فصار لرقيه محط التكريم والتكليف، فمعنى الزوجية في كل الكائنات حاصل، إمعانا في إظهار فقر الكائن المخلوق إلى زوجه، فذلك من الفقر الذاتي الملازم له أبدا، في مقابل غنى الرب الخالق، جل وعلا، فلا يفتقر إلى الصاحبة أو الولد، إذ هو الواحد في ذاته القدسية، الأحد في أسمائه الحسنى وصفاته العلية، الغني عما سواه من الأسباب، بل الأسباب إليه مفتقرة فهو الذي يوجدها، وهو الذي يجريها بكلماته الكونيات النافذات، فلا تستقل بالتأثير، وإن أودعت فيها قواه، فلا بد من إذن الرب القهار، جل وعلا، فالغنى وصف ذات لازم له أبدا، فمقابل ذاتية الفقر في المخلوق: ذاتية الغنى في الخالق، عز وجل، فذلك داخل في حد دلالة الإيجاد، إذ الموجِد أكمل من الموجَد بداهة.
فخلق الأزواج بقدرته النافذة، ليميل كل زوج إلى زوجه على حد السكنى، وجعل بينهم بمشيئته، فالجعل كوني يتعلق بأوصاف ربوبيته، جعل بينهم بمقتضى ما فطر عليه الجنسين: مودة، وهي صفو المحبة فعليها تقوم بيوت القلة، فإن لم تكن فرحمة عليها تقوم بيوت الكثرة، على حد قول عمر رضي الله عنه: "إن كانت إحداكن لا تحب أحدنا فلا تحدثه بذلك، فإن أقل البيوت الذي يبنى على الحب، ولكن الناس يتعاشرون بالإسلام والأحساب". اهـ
وصدق الفاروق الملهم، رضي الله عنه، فكم من بيوت قد حفظت بالصبر إذ لم تحظ بنعمة الحب، وذلك أمر لا تخطئه العين في زماننا الذي صار الطلاق فيه سنة بلغت حد ثلث الزيجات ونحوا من 46 % في بعض أمصار المسلمين، فلا مودة ولا رحمة، إذ غاب الشرع وغلب الهوى فصار النكاح قضاء وطر، تدوم لذته إلى أجل قريب، فسرعان ما يمل منه المتناكحان، فإن لم يكونا على حد المودة أو الرحمة صارا على حد:
ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى ******* عدوا له ما من صداقته بد
وكثير من الأزواج قد صاروا: أعداء فما من عشرتهم بد!.
وذلك، أيضا، مئنة من قدرة الرب، جل وعلا، الذي جبل القلوب على الحب والبغض، فلا يملك العبد قلبه ليبغض محبوبه أو يحب مبغوضه، وإنما يستعمل الصبر في بعد الأول وقرب الثاني!.
فذلك التنوع في الإرادات القلبية مئنة من كمال ربوبيته تبارك وتعالى.
ثم جاء التذييل بالمراد لذاته من التكليف الشرعي بالتفكر في الآيات الكونية، فذلك ذريعة إلى تصديق وامتثال الآيات الشرعية.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[07 - 11 - 2009, 05:14 م]ـ
ومن قوله تعالى: (وَمِنْ آَيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُون)
فتلك من الآيات النفسانية فهي داخلة في حد دليل العناية الخاصة، وفيه من جهة أخرى إثبات وصف كماله، عز وجل، فلا يعتريه من النقص ما يعتري عباده من سئم وكلل فذلك مما نزه عنه على حد الإيجاب الذاتي، فقد وجب وصفه بضده من وصف الكمال على حد الإطلاق فلا يعتريه ما يعتري الإنسان من وصف النقص عموما.
والنوم يقع بالليل والنهار ومقابله: من ابتغاء الرزق يقع فيهما فذلك من فضل عنايته، جل وعلا، فقد نوع أسباب اكتساب الرزق النهاري والرزق الليلي، ففي ذلك آية لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
¥