تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فيكون في السياق على هذا التقدير إيجاز بحذف المتأخر لدلالة المتقدم عليه، على تقدير: وَمِنْ آَيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ بالليل والنهار.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[08 - 11 - 2009, 05:21 م]ـ

ومن قوله تعالى: (وَمِنْ آَيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)

على حد التكرار المطرد في هذا السياق، فتلك آية أخرى من آيات الكونية الباهرة، فيها من دليل القدرة ما يحمل العبد على الخوف استحضارا لمقام الجلال، فالبرق مما يثير في النفوس الخوف، إذ لعله عذاب نازل، أو لعله يصيب بشرا أو شجرا فيصعقه، وإن سلم منه من حوله، وحوادث الصعق أشهر من أن تذكر، وهو من جهة أخرى: بارقة أمل تبشر بقرب نزول الغيث رحمة بالعبيد، فذلك مما يستحضر به مقام جمال الرب، جل وعلا، بوصف رحمته التي هي وصفه فهي غير مخلوقة، التي أنزل بها من رحمته التي هي المطر النازل، فهي مخلوقة، على حد قوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ)، فذلك مما يطمع العبد فيما عند الرب، جل وعلا، من الأرزاق الكونية، فعلة إيجاد هذه الآية الكونية: تحقيق معاني الألوهية بالخوف والرجاء، على التفصيل المتقدم، فيخاف العبد من عذاب الرب، جل وعلا، متعلق وصف جلاله، ويرجو رحمته، عز وجل، متعلق وصف جماله، فتحقق في هذه الآية، عند التأمل، ركنا التوحيد العملي: الخوف الباعث على الكف عن المنهيات، وقدم من باب التخلية قبل التحلية بالرجاء والطمع فيما عند الرب، جل وعلا، من الرحمات فذلك باعث على امتثال المأمورات، فالآية مع وجازتها قد استوفت أنواع التوحيد: علما وعملا، فعلا للرب، جل وعلا، في مقام الربوبية، وفعلا للعبد في مقام المربوبية.

وبعد البرق يجيء الغيث الذي يحيي الأرض، بإذن الرب، جل وعلا، وقيد: "بعد موتها": إمعان في تقرير ذلك الإحياء لئلا يتطرق اليأس إلى النفوس إذا تأخر الغيث: ابتلاء وتمحيصا يوجب الصبر أو عقوبة توجب الاستغفار: (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا)، فيستدل بذلك الإحياء على قدرة الرب، جل وعلا، الذي ينشئ الأجساد نشأة أخرى إذا دعا البشر لفصل القضاء في يوم الفصل، فقد رأى العباد من آيات الإنشاء المعجز للحي من الميت، فكما يباشر ماء الذكر ماء الأنثى فيخرج الولد، وكما يباشر ماء السماء تربة الأرض فيخرج الثمر، يباشر المطر النازل يوم القيامة الأرض فتنشر منها الأجساد لرب العالمين لفصل القضاء بين عباده المختلفين، ثم جاء التذييل بالعلة: "إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ"، فهي آية لمن يعقل عقل الانتفاع لا عقل الإدراك، فليس كل عاقل مسددا، فلا يسدد إلا من زكى الله، عز وجل، بشرعه ذكاءه الفطري فيجتمع في حقه: الزكاء المصلح لعالم الغيب، والذكاء المصلح لعالم الشهادة.

والله أعلى وأعلم.

ـ[أبو طارق]ــــــــ[08 - 11 - 2009, 06:59 م]ـ

سلمك الله من كل سوء

ـ[مهاجر]ــــــــ[09 - 11 - 2009, 02:41 م]ـ

وسلمك أبا طارق والإخوة الكرام.

ومن قوله تعالى: (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ)

فقيامها بأمره الكوني، إيجادا وانتظاما وفق سنن كونية جارية، فالأجرام تسبح في أفلاكها والشموس تسطع في نظمها، فذلك من دليل الاختراع، فعلى هذا النحو البديع قد أوجدت وسيرت، وهو، أيضا، من دليل العناية بالمخلوقات الأرضية، فقامت أمور معايشهم بأمره الكوني إذ هيأ الأرض لهم، فطيب هواءها، وأصلح تربتها، وأخرج منها الماء والمرعى، وأنزل من السماء الماء الذي به تكون الحياة ......... إلخ من صور العناية الكونية السماوية والأرضية.

وقيامها على حد الصلاح يكون بأمره الشرعي الحاكم، فلو حمل الأمر عليه لكان في الخبر نوع إنشاء بالأمر بإقامة شرعه على أرضه فهو سبب صلاحها وغيابه سبب فسادها، كما هو مشاهد في غالب الأمصار في زماننا، وذلك عند التحقيق لازم الأمر الكوني، فإذا كان الكون لا يقوم إلا بكلماته الكونيات فإن صلاحه لا يكون إلا بكلماته الشرعيات.

ثم إذا أراد، جل وعلا، إقامة الساعة لفصل القضاء خرب العالم العلوي والسفلي فكما تقوم السماء والأرض بأمره يكون فناؤها بأمره، فله، جل وعلا، الأمر النافذ: إيجادا وإعداما

ثم ذيل بذكر البعث على حد المفاجأة مئنة من سرعة استجابتهم لذلك الأمر الكوني، وقدم المسند إليه توكيدا بتكرار الفاعل، فضلا عن استحضار تلك الصورة العجيبة بالمضارع: "تَخْرُجُونَ"، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فإنشاء الخلق بعد فنائهم مئنة من كمال قدرته، جل وعلا، النافذة، إذ بها يقوم الناس ليوم الفصل ليحكم الله، عز وجل، بينهم بمقتضى حكمته الباهرة.

والله أعلى وأعلم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير