ـ[مهاجر]ــــــــ[10 - 11 - 2009, 05:41 م]ـ
ومن قوله تعالى: (وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ)
فله على حد الملكية للأعيان والخلق لها وللأفعال القائمة بها، من في السماوات والأرض، على حد الحصر والتوكيد بتقديم ما حقه التأخير والعموم الذي دلت عليه: "من"، و: "أل" الجنسية الاستغراقية في: "السماوات" و: "الأرض"، ثم رتب على ذلك لازمه: فإذ كان الأمر كذلك فهو مالك الأعيان وخالق الأفعال، فكل شيء في السماء والأرض له خاضع، فالتنوين في: "كل": عوض على المضاف، وتقدير المضاف باللفظ الأعم كـ: "شيء" آكد في بيان عموم ملكيته، جل وعلا، فهو الموجد بقدرته، فذلك من دليل إيجاده المعجز، المدبر بحكمته، فذلك من دليل عنايته بخلقه، إذ دبر شأنها حية كانت أو جامدة، عاقلة كانت أو أعجمية، مؤمنة كانت أو كافرة، برة كانت أو فاجرة، فكل شيء من أعيان الخلق وأحوالهم الظاهرة والباطنة قانت منقاد لأمره الكوني النافذ، فقنوته على حد العبودية الاضطرارية عبودية العبد المذلل المنقاد للقدر، وإن لم يكن ممتثلا للشرع، فلا يخرج عن دائرة المشيئة وإن خرج عن دائرة المحبة، ولا يخرج عن دائرة القدرة الكونية، وإن خرج عن دائرة الحكمة الشرعية.
فلازم ملكيته العامة: انقياد مملوكاته له على حد الاضطرار.
وقدم ما حقه التأخير: "له" على ما اطرد من الدلالة على الحصر والتوكيد فذلك مما يتلاءم مع السياق واللام في "له": للتقوية لضعف العامل فيها إذ تقدمت عليه على حد قوله تعالى: (إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ).
ولو حمل القنوت على القنوت الشرعي لكان له وجه، وإن لم يكن لكثير من العباد فضلا عن كلهم من القنوت الاختياري نصيب فما أكثرهم ولو حرصت بمؤمنين، ولكن يصح مع ذلك حمل القنوت في هذا السياق على القنوت الشرعي إذا أريد بالخبر الإنشاء، على تقدير: اقنتوا له بإفراده بالعبودية فرعا عن انفراده بربوبية الإيجاد والعناية.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[14 - 11 - 2009, 01:22 ص]ـ
ومن قوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)
على حد المضارعة: "يبدأ" و: "يعيده" استحضارا لقدرة الرب جل وعلا على الخلق والإعادة وقد ارتقت الحجة في هذا النص من التقرير في قوله تعالى: (اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) إلى القياس الأولوي في هذه الآية، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فالإعادة ثابتة من باب أولى لمن خلق ابتداء فهي أهون، واستعمال صيغة التفضيل في معرض الجدال، تنزل مع المخاطب، بتقريب الصورة إلى الحس المشهود، إذ ليس شيء على الله، عز وجل، أهون من شيء، بل الكل هين عليه، عز وجل، فإما أن يكون ذلك من القياس الأولوي، ولذلك أتبعه بقوله: "وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ"، وإما أن يكون لفظ: "أهون" في هذا السياق قد نزعت دلالته التفضيلية وبقيت دلالته المعنوية على هوان الأمر على الرب جل وعلا.
ثم ذيل بوصفي العزة والحكمة، إذ العزة مئنة من كمال القدرة على الإنشاء ابتداء والإعادة انتهاء.
والحكمة مئنة من الغاية العظمى لوجود هذا الكون إذ فيه يتحقق معنى الابتلاء بالطاعة فضلا، أو المعصية عدلا، على حد قوله تعالى: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ).
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[15 - 11 - 2009, 05:51 م]ـ
ومن قوله تعالى: (ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ):
فنكر المثل تعظيما، فهو مثل من أنفسكم، باعتبار الجماعة الإنسانية، ففيه قياس حال الرب، جل وعلا، على حالهم: قياس أولى في مسألة الانفراد بالملك والتدبير، فـ: "من" الأولى: بيانية، والثانية: تبعيضية، والثالثة: زائدة في معرض التوكيد، كما ذكر ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، إذ الاستفهام قد ضمن النفي باعتبار الجواب، فهو استفهام إنكاري إبطالي لمساواة المالك بالمملوك في عالم الشهادة، مع قصور السيد الأرضي عن بلوغ منزلة الملك التام والتدبيرالمطلق، فهما معنيا الربوبية، فإذا كان ذلك منفيا في عالم الشهادة، إذ هو غير جار على سنن المعقول الصريح ففيه التسوية بين المختلفين: المالك الأعلى والمملوك الأدنى، فانتفاؤه في حق الباري، عز وجل، كائن من باب أولى، وقد ذيل بالمراد من إيراد هذا المثل الملزم من كون ذلك آية تدعو الناظر فيها إلى التعقل والتفكر طلبا للغاية العظمى: غاية: إفراد المالك المدبر على حد الإطلاق فلا شريك له في خلقه، ولا شريك له في أمره الكوني الذي به تكون الأعيان، وأمره الشرعي الذي به تحفظ الأديان.
والله أعلى وأعلم.
¥