تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[مهاجر]ــــــــ[18 - 11 - 2009, 01:03 ص]ـ

ومن قوله تعالى: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ):

فأطلق الوجه وأراد الذات، وإنما خص الوجه بالذكر إذ هو أشرف الأعضاء البشرية فتوجهه مئنة من توجه ما هو دونه من باب أولى، إذ ثبوت الحكم للأعلى مئنة من ثبوته للأدنى، فإذا أقيم الوجه للدين على حد الميل عن الشرك إلى التوحيد فالحال مقيدة من هذا الوجه، وقد يقال بأنها توكيدية إذ إقامة الوجه للدين مئنة من التزام صاحبها طريقة الحنيفية السمحة عدولا عن الشرك إلى التوحيد، ثم جاء بيان الفطرة الكونية الأولى التي فطر الناس عليها بالمنصوب على حد الإغراء، ففيه معنى الإخبار عن الفطرة الأولى، ومعنى الإنشاء بإغراء السامع بامتثالها، وإضافتها إلى الله، عز وجل، أما أن تحمل على التشريف إن قصد بها الفطرة المخلوقة في المكلفين، وإما أن تحمل على إضافة الوصف إلى موصوفه إن أريد بها وصف الفَطْر أو الإنشاء على غير مثال سابق، فالرب، جل وعلا، هو الذي فطر الأبدان إيجادا بأمره الكوني النافذ، وفطر القلوب على امتثال أمره الشرعي الحاكم، ففطرته متعلق ربوبيته من جهة الإيجاد، ومتعلق ألوهيته من جهة الامتثال، فهما على حد الالتئام والتكامل، فلا تعارض فطرة الأبدان فطرة الأديان، إذ الفاطر وحده، فهو الذي فطر الأجساد على حد الكمال الظاهر بسلامة الأعضاء والحواس، وفطر القلوب على حد الكمال الباطن سلامة القلب من قادح الشرك.

لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ:

على حد الخبر فيكون متعلق ربوبيته، إذ قد فطر الأبدان على هيئات وفطر القلوب على أحوال مطردة، فذلك مئنة من نفاذ أمره الكوني، إذ لا اضطراب فيه ولا تذبذب.

وعلى حد الإنشاء فيكون متعلق ألوهيته على تقدير: لا تبدلوا فطرة الله الأولى: الكونية بتغيير خلقه، أو الشرعية: بتغيير شرعه وتغييب حكمه.

ففي الآية دليلا: الإيجاد والاختراع: بخلق الأعيان وطاقة الأفعال مجملة في القلب حتى ترد النبوات بتفصيلها وتقويم ما اعوج منها، و: العناية بالأبدان والأديان فقد فطر الناس على أكمل أحوالهما حتى استزلهم الشيطان فأوقعهم في صور من تغيير فطرة الأبدان، كما جرى من مبدلي دين المسيح، عليه السلام، الذين تركوا الختان واستحلوا ما تواتر من الرسالات تحريمه من الأحوال الظاهرة، فسببه خذلان في الباطن، فلا ينفك إفساد الفطرة الظاهرة عن فساد سابق في الفطرة الأولى: فطرة التصور الصحيح فالحكم تبع لها فإن فسدت فقد فسد التصور فلزم منه فساد حكمه، وإذا صحت صح العمل:

فذلك الدِّينُ الْقَيِّمُ: على حد القصر الإضافي، وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[19 - 11 - 2009, 03:32 ص]ـ

ومن قوله تعالى: (وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (33) لِيَكْفُرُوا بِمَا آَتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ)

وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ: فتنكيره مئنة من عظمه، وقد يقال بأنه للتحقير بدلالة المس وهو من أدنى درجات الإصابة وفيه مئنة من سرعة جزعهم فمع أول إصابة بالأذى تجزع نفوسهم، والنكرة عموما مظنة الشيوع والعموم فيشمل معناها القليل والكثير.

فإذا مسهم ضر: دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ: فذلك من دلالة الحس على وجوده، عز وجل، فيكشف السوء، إذ لا يرفعه إلا هو.

ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً: والذوق وجدان طعم الشيء مطلقا فيقيد بالمحسوس أو المعقول تبعا لدلالة السياق وهو هنا دال على المعقول بداهة إذ الرحمة لا تنال بالذوق الحسي. وإن كان من النعم المخلوقة ما ينال بالحس وهي من جنس الرحمات المخلوقة، فتنال الرحمة بالذوق على هذا الوجه، بخلاف صفة الباري، عز وجل، فهي رحمة غير مخلوقة بداهة بدليل جواز الاستغاثة بها في مقام الدعاء وذلك معنى لا يصح في حق المخلوق بداهة، وفي ذوق الرحمة بعد الضر مئنة من كمال عنايته، عز وجل، بعباده، العناية العامة، ولو كانوا كافرين. ولذلك جاء السياق بوصف الربوبية العامة التي يدل عليها اسم: "بربهم"، وقد قدم عناية بشأنه وإمعانا في بيان قبح جنايتهم بالإشراك به جل وعلا، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله.

إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ: فإذا الفجائية مئنة من تعجبه، عز وجل، على الوجه اللائق بجلاله، إذ أتوا بضد المراد منهم من السبب الشرعي فإن العناية بهم بتيسير الأسباب الكونية باعثة على مباشرة الأسباب الشرعية بتصديق خبره وامتثال أمره، لا الإتيان بنقيض مراد الرب، جل وعلا، من خلقه!. وليس العجب هنا على حد ما يقع لآحاد البشر من ظهور ما كان خفيا، فعلمه، عز وجل، قد أحاط بكل الكائنات، وإنما اتصف بتلك الصفة على وجه لا يستلزم معه نفي العلم فهو فرع عن خروج الشيء عن حكم نظيره لا عن بداء ظهر فيه للرب، جل وعلا، ما لم يكن يعلم تعالى الملك عز وجل، عن وصف الجهل خصوصا والنقص عموما، علوا كبيرا.

لِيَكْفُرُوا بِمَا آَتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ:

فتلك العاقبة فقد أنجاهم الله، عز وجل، بإرادته الكونية النافذة ليفتنهم فيما آتاهم بمقتضى حكمته البالغة، فتظهر فيهم آثار مكره وعدله، فهي في مقابل كفرانهم: كمال، ولذلك جاء الأمر عقيبها على حد التهديد: (فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ).

والله أعلى وأعلم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير