تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ما فيها: إذ أنجى الرسل عليهم السلام وأتباعهم منها فظهرت آثار حكمته فلم يسو بين المختلفين على ما اطرد في الميزان القرآني، ميزان: (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ)، وهو أمر سبقت الإشارة إليه مرارا وتكرارا، فهو من الكليات الجامعة في باب أوصاف الرب، جل وعلا، الكاملة، فهي: عدل يظهر به جلاله إذ أهلك المكذب وأنجى المصدق بقدرته، والقدرة من وصف الجلال إذ بها تقع المقدورات على وفق ما قدر، جل وعلا، أزلا، وهي فضل يظهر به جماله إذ أنجى المصدق من الرسل عليهم السلام، وأتباعهم برحمته، والرحمة العامة والخاصة كلاهما من أوصاف العناية الربانية، فالرياح فيها من كلا النوعين على هذا التأويل فهي في مواضع: رحمة عامة بالمؤمن والكافر بما يتسبب عنها من المنافع الكونية التي تشترك فيها كل الخلائق، كما تقدم،، وفي مواضع أخر: رحمة خاصة بالمؤمن يخذل بها عدوه، سواء أكان ذلك: هلاكا كليا فتكون عذاب استئصال أم كان هلاكا جزئيا بإكفاء القدور وإطفاء النيران وقلع الخيام كما فعلت الصبا بالأحزاب، وفي حديث الأحزاب: "نصرت بالصبا، وأهلكت عاد بالدبور"، فالدبور عامة: (مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ)، والصبا خاصة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا).

ولا يعترض على ذلك بأن رياح البشرى لا تنفك عن نوع مفسدة جزئية من قلع شجر وإغراق طرق ......... إلخ، إذ تلك، كما ذكر ابن أبي العز رحمه الله، مفسدة جزئية لا تقاوم المصلحة الكلية من هبوب الرياح ونزول الأمطار، فالمصلحة الخالصة كونية كانت أو شرعية عزيزة، كما ذكر العز بن عبد السلام رحمه الله بل تكاد تكون معدومة فلا ينفك أي فعل، ولو كان عبادة شرعية خالصة كصلاة وصدقة، أو لذة كونية خالصة من طعام أو منكح ...... إلخ لا ينفك عن نوع ألم يعرض لمبتغيها ومباشرها، وإن ظهر بعد ذلك من آثارها النافعة إن كانت على مراد الرب، جل وعلا، ما يفوق تلك الآلام الجزئية، فكذلك الرياح قد يتولد منها فساد جزئي، ولكن ذلك لا يقاوم منافعها الكلية العامة كما سبقت الإشارة إلى ذلك.

فهي، كما يقول صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، مبشرات بين يدي رحمته، وهي: المطر، فهو من الرحمات المخلوقة التي أضيفت إلى الرب، جل وعلا، إضافة مخلوق إلى خالقه تنويها بذكره، أو هو المطر باعتباره من آثار أوصاف جمال الرب، جل وعلا، فتكون الإضافة: إضافة وصف إلى موصوفه، وهو الرب، جل وعلا، فرحمته من أوصاف جماله، وعنها تصدر سائر أجناس الرحمات المخلوقة، فهي آثارها في عالم الشهادة، (فَانْظُرْ إِلَى آَثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا)، فيكون ذلك من ذكر المسبٍّب، وهو الرحمة غير المخلوقة التي هي وصف الرب، جل وعلا، وإرادة مسبَّبه، وهو الرحمة المخلوقة: المطر النازل. فيرسل الرياح فتسوق السحاب، فينزل المطر، فالسياق قد دل اقتضاء على جملة من المحذوفات لم تذكر توصلا إلى محط الفائدة، وهو النعمة الكونية التي يذيقها الباري، عز وجل، عباده: ذوقا معنوبا أو حسيا، ولا مانع هنا إمعانا في تقرير تلك المنة السابغة أن يحمل الذوق على كلا المعنيين: ففيها الذوق المعنوي بما يدخل على القلوب من السرور بنزول المطر ونماء الزرع وسائر ما ينتفع بالمطر في تثميره، وفيها الذوق الحسي فيشرب العباد الماء النازل من السماء: ماء طهورا لم يتكدر بمياه المجاري!، كما هو الحال في كثير من الأمصار التي تعجز عن توفير مياه نظيفة لأهلها.

وعلى ما اطرد من الإطناب السابق: وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ: الكوني تنبيها للعباد أن الله، عز وجل، هو المهيمن على مقدرات العباد فهي جارية بقدرته وحكمته، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير