ـ[مهاجر]ــــــــ[02 - 12 - 2009, 08:46 ص]ـ
ومن قوله تعالى: (اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ): فذلك تفصيل إنزال المطر ففيه تفصيل لمجمل نحو قوله تعالى: (وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ) ببيان أطوار تكوين السحاب وقد جاءت الأفعال مضارعة استحضارا للصورة ومئنة من تجدد الفعل وحدوثه فذلك آكد في بيان قدرة الله، عز وجل، فلم يزل ولا زال فاعلا بصفاته فعنها تصدر أفعاله على حد الكمال المطلق فكمال أفعاله من كمال صفاته إذ لا يصدر عن الكامل إلا كامل فالإرسال والبسط .......... إلخ صادرة عن مشيئته الربانية العامة فيرسل بكلمة كونية، ويثير بأخرى، ويبسط بثالثة، وفي تفصيل تلك الأطوار مزيد بيان لدلالتها المزدوجة:
على قدرة الرب، جل وعلا، على الإيجاد.
وعلى عنايته بخلقه إذ اتصف بجملة من صفات الأفعال على الوجه اللائق بجلاله بها كان خلق السحاب الذي ينشر به الله، عز وجل، آثار رحمته التي هي وصفه من رحماته التي هي خلقه، فالماء رحمة، لصدوره عن وصف الرحمة، فإطلاقها عليه، كما تقدم، إطلاق سبب وإرادة مسببه، فالرحمة غير المخلوقة سبب كل الرحمات المخلوقة: دنيوية كانت أو أخروية، عامة كانت كنعم الدنيا أو خاصة كنعيم أهل الجنة فهو مختص بهم دون غيرهم بداهة.
وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ: فذلك من كمال قدرته إذ يشاء جعله ابتداء، فإن شاء لم يجعل، ويشاء إصابته أرضا دون أخرى فلو شاء لمنعه عنها وأجراه في أخرى.
وذلك لا يكون بداهة إلا لحكمة جليلة في الإجراء والمنع على ما اطرد من التلازم الوثيق بين القدرة والحكمة.
وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ: فذلك آكد في تقرير النعمة الربانية فإذا انقطع الرجاء ثم جاء الفرج فإن وقعه وأثره في النفس يكون أعظم.
فَانْظُرْ إِلَى آَثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ:
فذلك من بيان الدلالتين:
دلالة العناية بالنظر العيني إلى آثار المطر وما يتولد عنه من المنافع العاجلة.
فأجمل ثم بين إمعانا في التنبيه والتشويق.
ودلالة الإيجاد بالنظر العقلي بقياس إحياء الموتى بالمطر النازل يوم الحشر ففيه قوة الإنبات للأجساد، على المطر النازل في الدنيا ففيه قوة الإنبات للأشجار والأغصان.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[03 - 12 - 2009, 08:30 ص]ـ
ومن سورة السجدة:
ومن قوله تعالى: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ)
فجاء الإخبار بالموصول المجمل الذي بينته الصلة: دلالة إيجاد للسماوات والأرض وما بينهما: تقديرا في الأزل ثم تأويلا للمقدور في عالم الشهادة فكان كما قضى الرب، جل وعلا، فلم يتخلف منه شيء، كما تقدم مرارا، في باب الخلق ومعانيه، وباب الإتقان للمصنوع مئنةً من إتقان الصانع.
ثم استوى على العرش بعد الخلق فذلك تأويل انفراده بالملك التام، فبعد الخلق لهذا الكون بما فيه من سماوات وأفلاك، استوى على أعظم المخلوقات استواء يليق بجلاله، فعلا وارتفع بذاته وقدره وقهره، إذ هو الخالق بقدرته المدبر بحكمته، فليس ملكه ملك الإيجاد، بل هو ملك: الإعداد لمخلوقاته لقبول آثار مدده الكوني والشرعي، فالأبدان قد أعدت لتقبل آثار مدده الكوني النابت من الأرض، والأرواح قد أعدت لتقبل آثار مدده الشرعي النازل من السماء، فله كمال الربوبية: جلالا وقهرا بقدرته، وجمالا بحكمته، فبالأولى تقع المقدورات يقينا فلا تخلف لشيء منها، وبالثانية يكون التدبير إظهارا لآثار رحمته بعباده فيصنع لهم الخير الآجل إن صبروا، ويستخرج مكنون صدورهم بمتين كيده إن جزعوا فما ظلمهم الله ولكن أنفسهم كانوا يظلمون، فعلم الله، عز وجل، خبيئة الصدور فاستخرجها بالابتلاء والتمحيص، ففعله في عباده فضل وعدل، لا ظلم عنده لأحد، فإذا كان هو الرب الخالق القاهر الذي استوى على أعظم خلقه، فهو القاهر له ولما دونه من باب أولى، فإنه لا يليق بذي عقل أن يتأله سواه، فما لكم من دونه من ولي ينصر، أو شفيع يدفع، فإن ذلك جار مجرى ما تقدم مرار من التلازم والاقتران بين صفات الربوبية وأحكام الألوهية فالأولى ذريعة الثانية، فهي العلة الباعثة، والأخرى معلولها، فهو الإله المعبود فرعا عن كونه الرب المحمود بصفات الكمال جلالا فهو القدير وجمالا فهو الحكيم.
والله أعلى وأعلم.
¥