تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[مهاجر]ــــــــ[15 - 12 - 2009, 09:28 ص]ـ

ومن سورة سبأ:

ومن قوله تعالى: (أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ):

ففيه إشارة إلى الآيات الآفاقية في السماء والأرض، وذلك من دلالة الإيجاد فإن من له القدرة على هذا الخلق الباهر قادر على أن يبطل سنته الكونية من انتظام إلى خراب، فإذا شاء، عز وجل، بقدرته البالغة، عذاب قوم أبطل سنة الأرض فزلزلت، فجاءهم العذاب من أسفل منهم، ولذلك أمر المؤمن بالاستعاذة من ذلك على حد قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "وَأَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي"، أو سنة السماء فأسقطت كسفا أو نزل منها العذاب كما نزل عذاب يوم الظلة على أصحاب الأيكة، بل إذا شاء الرب، جل وعلا، قيام الساعة، قطع ذكره من الأرض بقدره الكوني فليس ذلك مرادا شرعيا بل: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لَا يُقَالَ فِي الْأَرْضِ اللَّهُ اللَّهُ"، ومحا منها آثار النبوات الهايات، سبب عمارة هذا الكون، فإنه لا بقاء لهذه الدنيا إلا بنبوة أو آثار من نبوة، فإذا قطع الذكر ومحي الوحي، فإن الرب، جل وعلا، يأذن بقدره الكوني، بقيام الساعة، فيبطل سنة الكون الجارية مئنة من كمال قدرته، فكما أجراها ابتداء فحفظ بها العالم فتكاملت السنتان: الكونية فهي أمر الرب النافذ الذي تعمل به الرسل الملائكية، والشرعية فهي أمره الحاكم النازل على رسله البشرية، شاء خرابها انتهاء لما تخلفت السنة الشرعية بغياب الوحي، فبطلت السنة الكونية تبعا إذ الوحي مادة صلاح العالم فمتى عدمت عدم، فقضى بفساد هذا العالم بأسره، فإذا شاء أبطل السنة الكونية استنقاذا لأوليائه كما جرى للخليل عليه السلام، وإذا شاء أبطلها عقوبة لأعدائه كما وقع للمكذبين بالرسل عليهم السلام، أو إفناء لهذا الكون بأسره فيبدل الأرض غير الأرض والسماوات و: (وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ)، ليقع تأويل ما أخبرت به الرسل، عليهم السلام، ولتظهر آثار أسمائه إكراما لأوليائه بأوصاف جماله في دار النعيم، وإهانة لأعدائه بأوصاف جلاله في دار الجحيم، وما ربك بظلام للعبيد.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[16 - 12 - 2009, 01:50 م]ـ

ومن قوله تعالى: (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)

فذلك من باب استنطاق الخصم بالحجة في معرض تقرير ربوبية الله، عز وجل، بدلالة العناية، ومن آكد صورها الرزق، فلا يجري الأرزاق إلا الله، عز وجل، وإنما يسعى الناس في تحصيل أسبابها ولكل سبب: سبب عاضد ومانع حاجب، فلا بد من استيفاء الأسباب وانتفاء الموانع، ولا يكون ذلك إلا بقوة عليا قادرة تيسر للعبد السبب، وتبطل المانع، فتيسر للزارع البذر والسقاية، وتمنع الآفة من إصابة الزرع، وتتوالى الأسباب إلى أن تصل إلى سبب لا سبب وراءه قطعا للتسلسل في المؤثرين، وهو: الكلمة التكوينية النافذة التي هي من صفات الرب، جل وعلا، فليست مخلوقة ليكون وراءها سبب مُحْدِث، فهي الموجدة المحدثة لكل الكائنات، فاستحضار تلك السلسلة المنتهية إلى صفات ربنا، عز وجل، تجعل العبد يستحضر عموم ربوبيته، جل وعلا، فهو الخالق المدبر بكلماته، يرزق من شاء فضلا ويمنع من شاء عدلا ولما كانت الآية قد سيقت في معرض الاحتجاج على صحة ألوهية الباري، عز وجل، فرعا عن عموم ربوبيته، جاء الجواب بلفظ الجلالة: "الله"، فهو مئنة من معنى الألوهية على القول باشتقاقه اللغوي فالله يرزقكم بدلالة ما تقدم من السؤال في معرض تقرير الحجة، والمضارع مئنة من تجدد آحاد الفعل، فالصفة ذاتية باعتبار نوعها، فعلية باعتبار تعلقها بالمشيئة الربانية، فيحدث الرب، جل وعلا، من آحاد المرزوقات لآحاد المرزوقين ما شاء بمقتضى حكمته وفضله، فتجري الأرزاق على وفق ما قدر، جل وعلا، أزلا، فذلك تأويل المقدور الغيبي في عالم الشهادة الحضوري، بكلمات كونيات متتالية لا نفاد لها فبها صلاح هذا العالم، فكل رزق يصل إلى طاعمه بكلمة تكوينية، وكل رزق يحجب بكلمة أخرى، فعطاء ومنع بما يقضي الرب، جل وعلا، إظهارا لآثار قدرته وحكمته في خلقه.

ثم تنزل معهم في الخطاب استدراجا لهم إلى الحق باستعمال الإنصاف مع المخالف في معرض المفاصلة:

وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[17 - 12 - 2009, 08:36 ص]ـ

ومن قوله تعالى: (قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاءَ كَلَّا بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)

فذلك من باب التحدي، فأروني أولئك ألهم من صفات الربوبية ما استحقوا به هذا الإلحاق؟!، ثم جاء الإضراب انتقاليا إلى إثبات صفات الجلال ومنها العزة، والجمال ومنها الحكمة، فله كمال الوصف الذي استحق به كمال الفعل والتدبير ربوبية عامة قاهرة لكل الكائنات، فالآية تعرض بهم لافتقارهم إلى أوصاف الربوبية فليس لهم من إيجاد الكائنات أو العناية بها ما يصحح دعوى اتخاذهم شركاء، فبطلان ألوهيتهم فرع عن بطلان ربوبيتهم لانحطاط رتبتهم، فليس لهم من أوصاف الكمال ما يبلغون به تلك الرتبة العلية التي انفرد بها رب البرية جل وعلا.

قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ:

فذلك مئنة من كمال قدرته باتصافه بالمتضادات على وجه يظهر به كمال قدرته وحكمته في البسط والقدر.

والله أعلى وأعلم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير