تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فله كمال الحمد، جل وعلا، أن فطر السماوات والأرض على غير مثال سابق، فذلك من أسمائه المقيدة، إذ مادة الفطر لا تفيد كمالا مطلقا إلا إذا أضيفت إلى مفطور يظهر فيه إحكام الصنعة، وأي مفطور أعظم من أرض هذا الكون وسمائه: (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ)، والإضافة على معنى: هذا قاتلُ زيد، فهو أمر قد انتهي منه، فنفذ أمر ربنا، جل وعلا، الكوني بخلق السماوات والأرض في ستة أيام، ثم استوى على العرش أعظم المخلوقات مئنة من كمال قدرته الإيجادية، فحمد نفسه، وحمده الحامدون، بأشرف أوصاف الكمال الذي دلت عليه "أل" فهي تفيد الاستغراق الجنسي وصفا وقدرا لما دخلت عليه، وذلك خبر باعث على إنشاء الحمد له، جل وعلا، إذ استحقه واختص بكماله فلا يحمد على مكروه سواه، فكيف بالمحبوب المراد من سائر النعم الكونية أرضية كانت أو سماوية، فحمده عليها وشكره بأداء حقوقها الشرعية ثابت من باب أولى، فدلالة الإيجاد هي الدلالة الكونية على المطلوب الشرعي مراد الرب، جل وعلا، من المكلفين، فما خلق الخلق إلا ليعبدوه على حد الانفراد فرعا عن إيجاده لهم وعنايته بهم، فهو الإله الواحد فرعا عن كونه الرب الواحد، ومن آكد صور العبودية: دعاء الثناء بالحمد، فله الحمد على بديع صنعه، إذ فطر الكون وصير جنده النوراني على أكمل الهيئات فمنهم أولوا أجنحة مثنى وثلاث يزيد في الخلق ما يشاء، فلرئيس الجند الملكي ستمائة جناح، ولكل مقامه المعلوم فلا يستوي الرئيس مع آحاد الجند فالرب، عز وجل، يزيد في الخلق ما يشاء بقدرته النافذة، فعموم: "ما" محفوظ، وإن شئت فقل مخصوص بالشيء الممكن إذ لا تتعلق القدرة بالمحال، كما تقرر عند أصحاب العقول، فضلا عن أتباع الرسالات، وهو، جل وعلا، مع ذلك حكيم لا يخلق عبثا: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ)، ولا يسوي بين المختلفات، فيكون الرئيس المقدم في خلقه كآحاد الجند، فذلك مما يعارض بدائه العقول القاضية بالتفريق بين المختلفات، فلكل ما يناسب الوظيفة التي وجد من أجلها، فللملائكة من الخلق المجرد عن الطبائع الحيوانية ما يلائم وظائفهم في تأويل كلمات الرب، جل وعلا، الكونية، في خلقه، بسوق السحاب وقبض الأرواح ..... إلخ، وللنوع الإنساني ما يلائم وظيفة عمارة الكون السفلي، فركبت فيهم الشهوات السفلية التي تتلاءم مع الدار الأرضية فبها يستعين الخلق على معابشهم، وبها يحصل الابتلاء لهم، فليس الخلق عبثا كما زعم نفاة تعليل أفعال الرب، جل وعلا، بالحكمة، بل هو خلق بقدرة، فذيل بـ: "إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" تذييل العلة لمعلولها، وحكمة، ذيلت بها الآية التالية.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[20 - 12 - 2009, 02:01 م]ـ

ومن قوله تعالى: (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ):

فذلك من العموم الذي استوفى شطري القسمة العقلية على حد المقابلة، فهو العزيز فلا راد لقضاء بإرسال أو إمساك فذلك مئنة من قدرته، وهو الحكيم في إرساله أو إمساكه، فبالقدرة ينفذ وبالحكمة يدبر وتلك أخص أوصاف الربوبية: الملك قدرة والتدبير حكمة، فجاء التذييل استيفاء لأوصاف جلال وجمال الرب، جل وعلا، وقدم العزة إذ العموم السابق مئنة من القدرة، ثم ذيل بالحكمة احترازا لأن يظن ظان أن الأمر نافذ بمفتضى القدرة دون حكمة تضبطها، فالقدرة بلا حكمة مظنة السفه وذلك أمر منتف عن آحاد المكلفين، فكيف برب العالمين جل وعلا الذي له تمام القدرة وكمال الحكمة.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[21 - 12 - 2009, 09:05 ص]ـ

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ:

يا أيها الناس: نداء مشعر بعلو شأن المخاطِب وغفلة المخاطَب.

اذكروا: أمر إرشاد.

نعمة الله: إضافة تشريف، فهي من إضافة النعم المخلوقة إلى الرب الرازق المنعم جل وعلا.

هل من خالق: استفهام فيه معنى النفي والإنكار، فتقدير الكلام: لا خالق غير الله يرزقكم.

و "من": زائدة للتنصيص على العموم.

فلا خالق يرزق إلا الله، فهو الرب المتفضل بصنوف النعم فـ: لا إله إلا هو: فرعا على تمام ربوبيته وكمال فعاله، فأنى تؤفكون: استفهام إنكاري توبيخي، فأي شيء ذلك الذي صرفكم عن توحيد الرب، جل وعلا، إلى الإشراك به ما لا يملك خلقا ولا رزقا ولا ضرا ولا نفعا، فهو عاجز عن دفع الضر عن نفسه فضلا عن غيره. فكيف يسوى المخلوق العاجز المعطل عن الفعل إن كان ميتا، المعطل عن كمال الفعل إن كان حيا فرعا على نقصان ذاته وصفاته، كيف يسوى مثل ذلك مع الرب القادر الفعال الذي لا يعجزه شيء فرعا على كمال ذاته وصفاته.

والله أعلى وأعلم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير