تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[مهاجر]ــــــــ[22 - 12 - 2009, 09:24 ص]ـ

ومن قوله تعالى: (وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ):

فصدر بالمسند إليه على ما تقرر مرارا من إرادة الحصر والتوكيد بتقديم ما حقه التأخير فهو الذي أرسل الرياح بالأسباب المغيبة من الملائكة التي تسوق السحاب فإنها لا تصدر إلا عن أمره الكوني النافذ، فلا علم لها بالقضاء المبرم وإنما اختص به الرب، جل وعلا، نفسه، فيعلمهم بالقضاء المعلق ليتحقق معنى الحكمة بمدافعته بالأسباب، وينفرد بالقضاء المبرم ليتحقق معنى القدرة، فأرسل الرياح فذلك من دلالة إيجاده إذ بها ينشأ السحاب على حد المضارعة استحضارا للصورة إمعانا في تقرير قدرته التي بها توجد الكائنات، وتقرير عنايته بعباده فذلك متعلق حكمته.

وتدبير أمر البلد الميت دليل على البعث الآخر إذ قد أحيى الميت في الدار الأولى فتقاس عليه النشأة الآخرة.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[24 - 12 - 2009, 09:02 ص]ـ

وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ:

على حد ما تقدم من تقديم المسند إليه حصرا وتوكيدا فهو، عز وجل، الموجد من جنس التراب الذي انقلب لحما ودما بسريان الروح المخلوقة فيه فهي سر الحياة الذي استأثر الرب، جل وعلا، بعلمه فهي من مأموره الكوني الصادر عن أمره التكويني فإذا أراد خلق الروح أمر الملك الموكل بالأرحام فنفخ في الجنين الروح فهو سبب من الأسباب التي قدر الرب، جل وعلا، جريان الأحداث الكونية بها، إذ بها تقع سائر المسببات، فكل حركة في الكون هي من أثر هذا الجند الشديد القوى، فبقدرة الرب، جل وعلا، هو مقهور، وبحكمته هو مأمور، فإذا نفخ فيه الروح على وزان النفخة الأولى على وجه لا نعلم كيفه وإن كنا لا نحيل وقوعه، بل هو أصح ما قد قيل في هذا الشأن وأقربه إلى قياس العقول الصريحة التي فطرت على معرفة المعبود والتأله له جل وعلا، إذا نفخ فيه الروح استحال الميت حيا كما استحال الطين لحما ودما لما سرت فيه النفخة الأولى، فانقلب عين التراب إلى جسد حي متحرك حساس، وذلك الإعدام الذي هو الذريعة إلى إيجاد ما بعده، فهو الأصل الذي عنه يتفرع ما بعده، ذلك الإعدام مئنة من كمال قدرة الرب، جل وعلا، إذ أخرج الحي من الميت، فأفنى الأول ليتولد عنه الثاني، وتلك حقيقة القدرة الربانية إذ ليس الأمر كما زعم الفلاسفة توالي أعراض على جوهر واحد قديم هو مادة هذا العالم، بل الخلق كائن في كل لحظة بتوالي الكلمات التكوينيات الصادرة عن أوصاف الرب، جل وعلا، الفاعلة: إعداما وإيجادا على نحو تظهر به آثار حكمته، جل وعلا، في خلقه، فمن التراب كان آدم عليه السلام فاستحال إلى الجسد الحي وفني الأصل فهو من جنسه لا من عينه، فـ: "من" في الاية: جنسية بيانية، وكذلك الشأن في ذريته فهي من جنس النطفة، وإن استحالت بعد ذلك قصارت جسدا نفخ الملك الروح فيه فدبت الحياة في أوصاله وأحشائه فهي مادة صلاح الأعضاء، إذ لو نزعت منها لفسدت، ولو فسد المحل لفارقته الروح للطافتها، فلا تحل إلا في محل صالح يقبل آثارها، فلو بترت اليد لماتت بانقطاع مادة الحياة عنها، ولذلك نهى صلى الله عليه وعلى آله وسلم عما أبين من البهيمة وهي حية، وتولد الإنسان من النطفة مئنة من الفقر الذاتي المبطل لكل دعاوى الربوبية والتأله، فالإنسان قد جبل على الافتقار إلى الأصل الذي يتفرع عنه، والأصل الذي يتفرع منه، فهو يخرج من جنسه، ويشتهي ولدا من جنسه، والربوبية جنس لا يقبل التشريك، وإلا فسد نظام العالم بتعدد أفراده.

يقول ابن تيمية رحمه الله:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير