تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

"فإذا كان المخلوق له أصلٌ وُجد منه، كان بمنزلة الولد له، وإذا خلق له شيء آخر، كان بمنزلة الوالد، وإذا كان والداً ومولوداً كان أبعد عن مشابهة الربوبية والصمدية؛ فإنه خرج من غيره، ويخرج منه غيره؛ لا سيما إذا كانت المادة التي خلق منها مهينة؛ كما قال تعالى: {أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ}، وقال تعالى: {فَلْيَنْظُرِ الإِنْسَانُ مِمَّ خُلِق خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَرَائِبِ إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا نَاصِرٍ} ". اهـ

"النبوات"، (1/ 215، 216).

ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا: فذلك من دلالة الإيجاد إذ اقام الرب، جل وعلا، كونه على سنة التنوع في الأجناس والأنواع مئنة من كمال قدرته، وخلق الأفراد أزواجا إمعانا في بيان وحدانيته الذاتية ووتريته فلا شفيع له، إذ ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، فليس لجنس الربوبية نظير في الكيف الذاتي أو الوصفي أو الفعلي، فالرب، جل وعلا، قد تفرد بكمال الذات والصفات والأفعال، فهو الأول بها أزلا، الآخر بها أبدا، لم يكن معطلا عنها فاكتسبها، ولا تفارقه. فإن شاء إحداث آحاد صفات فعله صدرت عنها آحاد كلماته التكوينية المتعلقة بمشيئته العامة النافذة فلكل كائن كلمة يكون بها سواء أكان عينا أم فعلا، فلعين المخلوق كلمة، ولحركاته كلمات بعددها، ولسكناته كلمات بعددها ......... إلخ، والزوجية من وجه آخر مئنة من كمال غناه في مقابل فقر المخلوق إلى زوجه فذلك أمر قد جبل عليه فركب فيه تركيب الحاجة إلى الهواء والطعام والشراب وسائر ما به قوام أمره، وإن كانت الحاجة تتفاوت، فليست حاجة البدن إلى الشراب كحاجته إلى الهواء، وليست حاجته إلى الطعام كحاجته إلى الشراب، وليست حاجته إلى النكاح كحاجته إلى الطعام فتتفاوت الحاجات مئنة من حكمة الرب، جل وعلا، إذ قد جعل لكل شيء قدرا، ومئنة من رحمته فذلك من دليل العناية بالمخلوق إذ خلق له من نفسه زوجا ليسكن إليها، والشيء إذا كانت الحاجة إليه أعظم كان جود الرب، جل وعلا، به أعظم، رحمة بعباده بتيسير أسباب البقاء لأبدانهم والزكاء لأرواحهم.

وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ: فتأويل علمه التقديري المؤثر ما يكون في عالم الشهادة من المقدورات الكونية النافذة، فحمل الإناث ووضعها قد سبق في علم الرب، جل وعلا، وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ: فما يزاد في عمر بسبب يؤثر في القضاء المعلق الذي بأيدي الملائكة ولا ينقص منه إلا في: كتاب مبرم عند الرب، جل وعلا، فلا يطلع عليه غيره، ومعلق بأيدي الملائكة فما فيه يقبل التغيير بمباشرة الأسباب الشرعية والكونية من صلة رحم ودعاء، أو علاج من آفة، و: إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ: على حد الفصل لشبه كمال الاتصال فذلك من التذييل بالعلة لمعلولها، مع ما فيه من الاحتراز لئلا يظن ظان بأن ذلك مما يشق على الرب، جل وعلا، فهو مفتقر إلى الشريك أو الظهير، بل هو، جل وعلا، المتفرد بذلك: إيجادا وتدبيرا لكمال ربوبيته المقتضية كمال إيجاده للأعيان وتدبيره للأحوال فهذان أخص وصفين من أوصاف ربوبيته كما تقدم في مواضع كثيرة.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[25 - 12 - 2009, 08:26 ص]ـ

وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير