تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

واللسان والجارحة فلا تستعمل النعمة في مبارزة الرب، جل وعلا، بالمعاصي، وهو الذي تفضل بها، وعلى هذا الوجه خرج حديث: "لَوْ أَنَّ اللَّهَ عَذَّبَ أَهْلَ سَمَاوَاتِهِ وَأَهْلَ أَرْضِهِ عَذَّبَهُمْ وَهُوَ غَيْرُ ظَالِمٍ لَهُمْ وَلَوْ رَحِمَهُمْ كَانَتْ رَحْمَتُهُ خَيْرًا لَهُمْ مِنْ أَعْمَالِهِمْ"، إذ لو كان الأمر ثمنيا كما يقول أصحاب باء الثمنية في: (وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)، ما استحق أحد دخول الجنة إذ لم يبذل ثمنها مهما عمل من الطاعات، بل لم يبذل ثمن نعمة كونية في دار الابتلاء مع ما يكتنف نعم الدنيا من النقصان، فكيف بأجناس لا تعد من نعمة لا تزول ولا تفنى ولا يعتريها النقصان، فهي قد بلغت الغاية في الكمال: كما وكيفا، فالصحيح أن الباء هنا سببية، فادخلوا الجنة بسبب أعمالكم، وهي عند التحقيق من فضل الله، عز وجل، على العباد، فهو خالقها، وخالق الثواب عليها، فخلق السبب، وخلق الفاعل الذي يبذله، وخلق فيه طاقة الفعل، وإرادته، وأقدره على فعله باستطاعة شرعية يتعلق بها التكليف ثم استطاعة كونية هي مئنة من التوفيق والتسديد إذ استعمله في فعل الطاعة ولو شاء لأهانه فاستعمله في فعل المعصية وما ظلمه آنذاك وما بخسه حقه، ولكنه تفضل عليه بتيسير سبب الطاعة، الذريعة إلى نيل الكرامة في دار المقامة، فكيف له أن يفخر بطاعة، أو يفرح فرح البطر المدل على ربه، عز وجل، ولولا أن ثبته لركن إلى الغواية شيئا كثيرا، فمن عرف ذلك عرف عناية الرب، جل وعلا، بعباده أجمعين: العناية العامة كونية بتيسير أسباب صلاح البدن، وشرعية ببعث الرسل، عليهم السلام، بأسباب صلاح الدين مادة حياة الأرواح، وعنايته: العناية الخاصة بمن سدده من عباده المؤمنين فاختصه بهداية التوفيق والإلهام معدن السعادة في الدارين، فطمأنينة في الدنيا ونعيم مقيم في الآخرة، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[26 - 12 - 2009, 08:41 ص]ـ

يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ: فذلك من أدلة ربوبيته، جل وعلا، وفيه من فنون البلاغة ما سبقت الإشارة إليه من: العكس، وهو من المحسنات المعنوية، وفيه من استيفاء أوجه القسمة العقلية ما يزيد معنى العموم تقريرا، فهو، تبارك وتعالى، مجري الجديدين: الليل والنهار، بكلماته الكونية النافذة، فسنة التعاقب بين الأضداد: سنة كونية مطردة، فليل يعقبه نهار، وحر يعقبه برد، وضعف تعقبه قوة فضعف ..... إلخ، لتمتاز قدرة الرب، جل وعلا، المطلقة عن قدرة العبد المقيدة بنقص ذاته وعجز صفاته، ففعله الصادر عنها مهما بلغ من الإتقان بمقياس البشر المحدود، فلن يصل إلى إتقان فعل الرب، جل وعلا، فهو مطلق غير محدود، فهو القادر على كل ممكن، فلا تتعلق قدرته بمحال كإلحاق وصف النقص بذاته القدسية، جل ربنا عن أوصاف النقص الردية، وهو أيضا، مئنة من عنايته، عز وجل، بعباده، إذ تعاقب الليل والنهار مظنة صلاح النبات والحيوان والإنسان فالعمليات الحيوية لها تنتظم بتعاقب الليل والنهار، فلكل حال معدل يناسبها من العمليات الحيوية.

كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ: فله كمال الربوبية عموما، والملك، خصوصا، فذلك من لوازم ربوبيته، إذ الملك مئنة من كمال التدبير، وذلك دال على وصف الحكمة لزوما، فلا يكون تدبير إلا بحكمة، وفي مقابل كمال ملكه الذي اختص به كما دل على ذلك الحصر والتوكيد بتقديم "له" وحقه التأخير، في مقابل ذلك: وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ: فلا يملكون خلق قطمير، نفيا مؤكدا بدخول: "من" التي تفيد التنصيص على العموم فضلا عن ورود المنفي منكرا، فورود النكرة في سياق النفي يفيد العموم ابتداء فكيف به بعد ورود التنصيص عليه؟!، فهو نفي تسلط على المصدر الكامن في الفعل، وعلى المفعول المنكر، فالذين يدعون من دونه رغبا، وهو مظنة اعتقاد القدرة في المدعو، فلا أحد يدعو من يعتقد عجزه، إذ لو علم ذلك لانصرف عنه بداهة إلى دعاء القادر، أولئك لا يملكون أي ملك: القدرة على خلق أي شيء ولو قطميرا.

إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ: لنقص أوصافهم ففيه إشارة إلى أن الإله الكامل، عز وجل، له كمال السمع، في مقابل عجزهم عن سماع من يدعونهم، وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ: فعجزهم عجز وصف فلا يسمعون، وعجز فعل فلا يستجيبون، فلا يقضي الحاجات إلا الله، عز وجل، وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ.

والله أعلى وأعلم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير