ـ[مهاجر]ــــــــ[30 - 12 - 2009, 09:35 ص]ـ
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا:
استفهام تقريري فذلك مما يراه كثير منا، ولكن رؤيته لا تتعدى الرؤية البصرية المجردة إلى الرؤية العلمية: رؤية التفكر والاعتبار، فالشأن كل الشأن فيها. وفي التنزيل: (أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ)
و: "أن" وما دخلت عليه في محل نصب مفعولي فعل الرؤية العلمية، والإتيان بها مؤكدة بـ: "أن" فيه مزيد عناية بشأنها، فالجملة مؤكدة بـ: "إن"، واسمية الجملة، وتكرار الفاعل: معنويا بارزا وهو: لفظ الجلالة الاسم الكريم: اسم الله عز وجل. ولفظيا مستترا في عامله: "أنزل" فمرجعه إلى الله عز وجل.
و: "ماء": نكرة في سياق الإثبات فتفيد الإطلاق.
فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا: الفاء للتعقيب السببي، وكل تعقيب بحسبه، والهمزة في: "أخرجنا": للتعدية وفي نسبة الإخراج إليه، عز وجل، مزيد تعظيم وعناية بهذه الآية الكونية.
وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ:
من: بيانية جنسية، أو تبعيضية فلست كل الجبال مخازن للمعدن والجوهر. وسياق النعمة يمنع التخصيص بالوصف: بيض وحمر، فلا يعني النص عليها نفي الخير عما سواها من نعم الدنيا فضلا عن نعم الآخرة الباقية.
وغرابيب سوء:
تنويع في ذكر أصناف متباينة من الخلائق، إذ انتظام أمرها بهذه الدقة مئنة من كمال ربوبيته، جل وعلا، فاستحق تمام الألوهية فرعا عنها.
وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ: إطناب في ذكر النعم الربانية توطئة للغاية من تقرير المنح الربانية:
كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ: فذلك إنما يحصل به الانتفاع لمن سلم قلبه وصلح أمره، وفي التذييل بـ: عزيز غفور: إشارة لطيفة إلى علة خشية العباد من ربهم، فهي العلم الإلهي النافع، والتفكر في آيات الربوبية الباهرة، ففيه من فنون البلاغة: مراعاة النظر، فعلم صحيح، وتفكر صريح، وذلك لعمر الله: سعادة الدارين.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[31 - 12 - 2009, 09:40 ص]ـ
وقوله تعالى: (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ)
فذلك من دلالة الإيجاد المعجز، فبدأ الله، عز وجل، الخلق من التراب، على ما اطرد من دلالة: "من" على ابتداء الغاية والجنسية البيانية للماهية، فمن ماهية التراب خلق الإنسان، والتبعيض، إذ خلق آدم، عليه السلام، من بعض تربة الأرض لا من جميعها بداهة، وقد جاء السياق في معرض بيان تلك الدلالة مؤكدا على ما اطرد من الدلالة التوكيدية لتقديم المسند إليه، فضلا عن تفصيل أطوار الخلق فذلك آكد في تقرير دلالة الإيجاد، فمن تراب خلق الإنسان، ففني جوهر التراب، ليخرج منه جوهر اللحم والدم، فطلاقة القدرة قد شملت إفناء جواهر وإيجاد أخرى منها، لا توالي الأعراض على جوهر واحد قديم كما يزعم الفلاسفة القائلون بقدم مادة العالم وتوالي الأعراض عليها إذ المادة عندهم لا تفنى ولا تستحدث من العدم، والمادة عند أتباع النبوات على الضد من ذلك: فهي تفنى لتخرج منها مادة أخرى، ولذلك كان قول المحققين من أهل العلم ببطلان نظرية الجزء الذي لا يتجزأ فإنه إما أن يعدم، وإما أن يتحول إلى جوهر آخر، فالجزء المائي إذا توالى انقسامه إلى جزيئات أصغر فأصغر فإنه يخرج لا محالة عن طور السيولة إلى طور الغازية، فيتبخر ويصير غازا متصاعدا بعد أن كان سائلا مستقرا، فيفنى جوهره المائي ويتولد منه جوهر غازي، وهي تستحدث من العدم، إذ ذلك من معاني البدع والفطر على غير مثال سابق، فقد بدع، عز وجل، السماوات والأرض على غير مثال سابق، على حد قوله تعالى: (بَدِيعُ
¥