تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)، وبدأ خلق الإنسان من طين ففطر خلقه على غير مثال سابق، من كان ذلك وصفه، فهو القادر، من باب أولى، على الإعادة، على ما اطرد في التنزيل من التبيه بالخلق الأول على الخلق الثاني، على حد قوله تعالى: (يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ)، فذلك من قياس الأولى، إذ نبه فيه بالأدنى على الأعلى، فقدرته، عز وجل، على الأعلى مئنة من قدرته على الأدنى، فلا يعجزه، تبارك وتعالى، شيء في الأرض ولا في السماء.

وبعد بيان أطوار الخلق: تراب فنطف فخلق للأزواج بجعل كوني نافذ، فذلك مئنة من قدرته النافذة، جاء بيان علمه التقديري الأزلي، إذ لا يكون خلق إلا بقدرة نافذة وعلم أزلي به يكون التقدير الأول الذي يأتي الخلق الثاني على وفقه فلا يزيد ولا ينقص إذا أراد الله، عز وجل، إخراج الكائن المقدور من عالم الغيب إلى عالم الشهادة.

فلا تحمل أي أنثى، في معرض عموم مؤكد بورود النكرة في سياق نفي مؤكد بـ: "من" الدالة على التنصيص على العموم، إلا بعلمه المؤثر في إيجاد المقدورات على أقدار وهيئات علمها وقدرها أزلا.

ثم جاء ذكر الكتاب الذي سطرت فيه المقادير على حد التعليق، فيزاد في العمر أو ينقص تبعا لمباشرة أسباب الزيادة أو النقصان من صلة أو قطع ............ إلخ، بخلاف المسطور في الكتاب الأول فلا يزاد فيه ولا ينقص، إذ هو على حد الإبرام.

وقد يراد بالكتاب هنا: الكتاب الأول لا الثاني، لو جعلت المسألة من باب: عندي درهم ونصفه، أي: ونصف درهم آخر غيره، فيكون المعنى: ولا يعمر من معمر ولا ينقص من عمر غيره إلا في كتاب، فكلاهما على حد النفاذ والإبرام.

قال القرطبي رحمه الله:

"ويذهب الفراء في معنى: "وما يعمر من معمر" أي ما يكون من عمره "ولا ينقص من عمره" بمعنى آخر، أي ولا ينقص الآخر من عمره إلا في كتاب.

فالكناية في "عمره" ترجع إلى آخر غير الأول.

وكنى عنه بالهاء كأنه الأول، ومثله قولك: عندي درهم ونصفه، أي نصف آخر.

وقيل: إن الله كتب عمر الإنسان مائة سنة إن أطاع، وتسعين إن عصى، فأيهما بلغ فهو في كتاب.

وهذا مثل قوله عليه الصلاة والسلام: "من أحب أن يبسط له في زرقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه" أي أنه يكتب في اللوح المحفوظ: عمر فلان كذا سنة، فإن وصل رحمه زيد في عمره كذا سنة.

فبين ذلك في موضع آخر من اللوح المحفوظ، إنه سيصل رحمه فمن اطلع على الأول دون الثاني ظن أنه زيادة أو نقصان". اهـ

وقد يرد على ذلك أن الكتابة في اللوح المحفوظ مبرمة لا تتغير فالتعليق لا يكون إلا في صحف الحفظة.

وقال ابن أبي العز، رحمه الله، في "شرح الطحاوية":

"وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: (مَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ)، فَقَدْ قِيلَ فِي الضَّمِيرِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {مِنْ عُمُرِهِ} أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِمْ: عِنْدِي دِرْهَمٌ وَنِصْفُهُ، أَيْ: وَنِصْفُ دِرْهَمٍ آخَرَ، فَيَكُونُ الْمَعْنَى: وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِ مُعَمَّرٍ آخَرَ، وَقِيلَ: الزِّيَادَةُ وَالنُّقْصَانُ فِي الصُّحُفِ الَّتِي فِي أَيْدِي الْمَلَائِكَةِ". اهـ

ثم ذيل بعلة ذلك على حد الفصل لشبه كمال الاتصال بين المعلول وعلته، فعلته: أنه أمر: على الله يسير.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[01 - 01 - 2010, 08:41 ص]ـ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير