تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتًا وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَارًا: فذلك من دلالة العناية بابن آدم، إذ شرف وكلف بالاستخلاف، فأمده الله، عز وجل، بأسباب الخلافة من عقل هو مناط التكليف، واستواء بدن، واعتدال قوى، فقواه العقلية تضبط قواه السبعية بخلاف بقية الحيوانات التي غلبت قواها السبعية قواها العقلية، والملائكة التي نزهها الله، عز وجل، من القوى السبعية، وهي قوى لازمة لعمارة الأرض، فليس خلق الملائكة ملائما لعمارة الأرض، وقد جعل الله، عز وجل، لكل شيء قدرا، فلكل خلق ما يلائمه من المهام والتكاليف فذلك مئنة من كمال حكمته، عز وجل، بأن وضع كل شيء في موضعه الملائم له، فلا يستقيم حال العبد إن خرج عن طوره البشري إلى طور الحيوان فعطل عقله واتبع هواه وشهواته السبعية، ولا يستقيم إن حاول التشبه بالطور الملائكي على الدوام فإن لازم ذلك تعطيل قواه السبعية ولا قيام له ولا صلاح لحاله إلا بإعمالها، فهو وسط بين الطبيعتين، إن رام الميل إلى إحداهما فذلك مظنة فساد حاله لخروجه عن الناموس الكوني الذي فطره الله، عز وجل، عليه، فلا يخرج عن سننه إلا من شط بإفراط أو تفريط وذلك مظنة فساد الحال بفوات معنى العدل الذي قررته النبوات، وغياب العدل في الطبائع البدنية أو الخلائق النفسانية مظنة الجور والفساد.

قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آَتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا:

فذلك من التحدي من الرب، جل وعلا، تعريضا بتلك الآلهة العاجزة، وتعريضا بعبادها إذ سووا بين أعظم متباينين: الخالق عز وجل بقدرة نافذة وحكمة بالغة، والآلهة العاجزة التي لا تملك من خصائص الربوبية شيئا لتستحق التأله بالدعاء فكيف يسوى بين أعظم قادر وأعظم عاجز، بل يعزل الأول عن منصب الإلهية ويولى الثاني تعسفا وجورا في الحكم المناقض لأي قياس صريح أو ذوق سليم أو حس صحيح، فآيات الآفاق شاهدة بعجز تلك الآلهة عن الخلق فإنه لم يجرؤ أحد على ادعاء ذلك وإن جرأ على ادعاء الألوهية طغيانا واستكبارا، فالكون شاهد بأنه محدث مخلوق لرب قادر حكيم قد أوجده بقدرته وسيره بحكمته.

وفي السياق تنبيه على العلة التي بطلت بها ألوهية أولئك، وصحت بها ألوهية الرب، جل وعلا، فأروني ماذا خلقوا؟، استفهام إنكاري إبطالي إذ لم يخلقوا شيئا، فانتفى عنهم وصف من أخص أوصاف الربوبية وهو الخالقية، فبطلت ألوهيتهم، إذ هي فرع عن الأصل الأول، فلما بطل الأصل بطل الفرع تبعا، وفي المقابل لما صحت نسبة الخالقية المطلقة من العدم للرب، جل وعلا، صحت ربوبيته على حد الانفراد، فتفرع عنها لزوما تفرده جل وعلا بالإلهية فذلك من التلازم العقلي الوثيق، كما تقدم مرارا، فلا يقبل انفكاكا.

إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا:

فذلك من آيات قدرته النافذة وفيه من معاني العناية ما فيه إذ حفظ السماوات والأرض من الزوال عناية بسكانها، فإذا شاء زوالها قطع ذكره منها ففسدت بانعدام مادة صلاحها، فأذن الرب، جل وعلا، إذنا كونيا نافذا، بخراب هذه الدار، وإبدال دار القرار ذات السماء غير السماء والأرض بهذه الدار.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير