تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وقد ذيل الآية بوصفين من أوصاف جماله إمعانا في الامتنان على عباده، فيحلم عنهم، جل وعلا، مع استحقاقهم العقوبة، إمهالا لهم ليراجعوا دينهم فإذا راجعوه تلقاهم بالمغفرة، فغفر لهم ما تقدم منهم ولو عظم فحشه، فلا يبالي، فذلك من الترغيب بذكر أوصاف جمال الرب الكريم جل وعلا، فالآية قد جمعت بيان أوصاف جلاله بذكر ما لا يقدر عليه سواه من حفظ السماوات والأرض، وبيان أوصاف جماله بكون ذلك من نعمته السابغة على عباده فهي نعمة كونية بحفظ الحياة على سنن الاستقامة، ونعمة شرعية بإمهالهم رجاء التوبة ومراجعة الديانة.

والله أعلى وأعلم.

ـ[فصيح الزمان]ــــــــ[02 - 01 - 2010, 11:40 م]ـ

جزاكم الله خيرا على هذا الجهد المبارك المميز ...

و هل هذا كتاب لكم أم تلخيص لكتاب؟

ـ[مهاجر]ــــــــ[03 - 01 - 2010, 09:04 ص]ـ

وجزاك خيرا وبارك فيك أخي فصيح.

هي تقييد لبعض الفوائد لا سيما من تفسيري أبي السعود والعلامة ابن عاشور، رحمهما الله، مع توخي الحذر ما أمكن من المسائل التي وافقا فيها المتكلمين في أصول الدين، وللكتابين مكانة كبيرة في عرض بلاغة الكتاب العزيز لا سيما تفسير الشيخ ابن عاشور، رحمه الله، فقد أتى فيه بلطائف ودقائق بلاغية تدل على كمال تضلعه من علوم العربية فجزاه الله عن أمة الإسلام خيرا.

ومن صدر سورة يس:

قوله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآَثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ)

فصدر الآية بالتوكيد في معرض بيان قدرته، عز وجل، النافذة، على إحياء الموتى، فذلك من دلالة الإيجاد انتهاء فمن أوجد ابتداء فهو فادر على الإيجاد انتهاء من باب أولى، فضلا عن تقديم المسند إليه على حد ضمير الجمع مئنة من التعظيم، فذلك بالسياق أليق، وجاء المسند مضارعا استحضارا للصورة، فوصف إحياء الموتى في دار الجزاء لما يأت بعد، إذ هو من صفات فعله، عز وجل، التي تتعلق بمشيئته النافذة، فإذا شاء خرب العالم السفلي والعلوي، وأمات كل الخلائق إلا من شاء من الناجين من الصعق، ثم أحياهم عقيب النفخة الثانية، ويقال من جهة أخرى: وصف الإحياء: كائن متكرر في عالم الشهادة، فله، عز وجل، في كل يوم من آحاد هذا الفعل ما يعجز العقل عن حده، فيحيي الأرض من بعد موتها، وينفخ الروح في الجنين في رحم الأم، ويحيي الخلايا في جسد الكائن الحي بعد إفنائها في تعاقب دقيق وفقا لسنة كونية محكمة، فذلك من دلالة الإيجاد المعجز، فيوجد من العدم، ويخرج الحي من الميت، فذلك أبلغ في تقرير عموم قدرته الإنشائية أولا، فإنشاؤه الخلق بعد فنائهم على حد الإعادة ثابت من باب أولى، وبه تظهر آثار قدرته في الإعادة، وآثار حكمته في فصل القضاء بينهم.

ثم جاء النص على الكتابة الثانية على حد المضارعة مصدرا بالنون الدالة على الجماعة على ما اطرد من تعظيم الرب، جل وعلا، في معرض بيان قدرته على الإنشاء وحكمته بإحصاء الأعمال، إذ يكتب الملك كل مقدور أزلي يقع تأويله في عالم الشهادة بالفعل البشري الصادر من إرادة فاعلة مؤثرة، فتقام الحجة على الفاعل من فعله المثبت في اللوح أولا، وفي صحف الملائكة ثانيا إمعانا في إقامة الحجة: إظهارا لمعاني الحكمة.

وعموم: "ما": محفوظ، إذ يكتب الملك كل قول وفعل على تفصيل في ذلك، فقد رجح بعض أهل العلم تخصيصه بما يتعلق به الثواب أو العقاب، فخرج بذلك المباح، وهو عند التحقيق، غالب أفعال العباد.

ووصف أفعالهم بالآثار مئنة من تأثيرهم في إيقاعها، فذلك مبطل لمقالة الجبرية.

قال ابن القيم، رحمه الله، في "شفاء العليل": "قال ابن عباس: ما أثروا من خير أو شر فسمى ذلك آثارا لحصوله بتأثيرهم". اهـ

وذكر ابن كثير، رحمه الله، للآثار تأويلين:

الأول: أنها آثار ما تركوه من السنن حسنة كانت أو سيئة، على حد قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "مَنْ سن في الإسلام سنة حسنة، كان له أجرها وأجر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شيئًا، ومَنْ سن في الإسلام سنة سيئة، كان عليه وزرها ووزرُ مَنْ عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أوزارهم شيئًا".

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير