تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[مهاجر]ــــــــ[11 - 01 - 2010, 08:53 ص]ـ

وَآَيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ:

فتلك من دلالة الإيجاد التي جيء بها في معرض إثبات النشأة الأخرى قياسا، فقد أرانا الله، عز وجل، صورا من جنس إحياء الموتى تقريرا لربوبيته، إذ الإحياء من الموت والإيجاد من العدم من أخص أوصاف الربوبية، ثم ثنى بدلالة العناية: وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ

ثم أطنب في بيان دلالة العناية امتنانا: وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ: فنكرت الجنات تكثيرا وتعظيما.

وعلة ذلك: لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ: فذيلت أدلة الربوبية الدامغة بما يجب لها من واجب التأله بالشكر الذي دل عليه الاستفهام الإنكاري التوبيخي لتقصيرهم في هذا الباب.

سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ: فسبحانه هو الواحد الذي خلق الأزواج فأقام الكون على سنة الزوجية إمعانا في بيان افتقار الكون الذاتي فالزوج مفتقر إلى زوجه والواحد، جل وعلا، غني عما سواه فلا يفتقر إلى صاحبة أو ولد.

وَآَيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ: فالليل هو الأصل، والنهار فرع، كما حقق ذلك بعض الفضلاء المعاصرين من علماء الفلك، في معرض بيان أوجه الإعجاز العلمي في القرآن الكريم.

وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ: فجريان الأجرام لا يكون إلا بقدرة نافذة هي من لوازم العزة فهما من جنس أوصاف الجلال، وحكمة بالغة هي من من لوازم العلم فهما من جنس أوصاف الجمال، فالكون قد صدر أثرا من آثار صفاته الفاعلة، فعنها صدرت الكلمات الكونية التي بها خلقت الكائنات فذلك إيجادها وبها يدبر الرب، جل وعلا، أمرها إجراء لأرزاقها وإجراء لها في أفلاكها فلكل ما يحفظه فذلك مئنة من دلالة العناية بها.

وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ: فذلك أيضا مئنة من القدرة والحكمة بإجراء القمر في منازله بدقة متناهية هي مئنة من بلوغ حكمته، جل وعلا، وتمام قدرته فلا يكون ذلك الخلق الدقيق إلا فرعا عن قدرة نافذة وحكمة بالغة.

لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ: فالإتقان مئنة من كمال وصف الرب جل وعلا. فلكل سنة لا يتعداها لئلا يفسد نظام الكون.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[12 - 01 - 2010, 09:20 ص]ـ

ومن قوله تعالى: (وَآَيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (41) وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ (42) وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَلَا هُمْ يُنْقَذُونَ (43) إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ)

فتلك نعمة كونية عامة إذ الفلك هو الفلك الذي نجي فيه نوح عليه السلام ومن معه، فهو فلك معهود إذ لم يرد وصف فلك في الكتاب العزيز بالمشحون إلا فلك نوح عليه السلام، فتلك قرينة من عهدية: "أل" في: "الفلك"، فيكون حمل الذرية هنا من باب دلالة العناية بالمتأخر، بتذكيره بتنجية الأصل فإنه تنجية للفرع بداهة كما حقق ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله. ونص عبارته: " كأنه قيل: إنا حملنا أُصولهم وحملناهم وحملنا ذرياتهم، إذ لولا نجاة الأصول ما جاءت الذريّات، وكانت الحكمة في حمل الأصول بقاء الذريات فكانت النعمة شاملة للكل، وهذا كالامتنان في قوله: {إنّا لمّا طغى الماءُ حملناكم في الجارية لنجعلها لكم تذكرة} [الحاقة: 11، 12] ". اهـ

فنجي الأصل، ونجي الفرع الأول المخاطب في الآية، ونجي الفرع الثاني وهو ذرية الفرع الأول، ونجي الفرع الثالث وهو ذرية الفرع الثاني ........ إلخ، فالنعمة متجددة لكل جيل، فتصلح لخطاب كل جماعة بشرية أيا كان زمانها أو مكانها.

ومن باب مراعاة النظير، كما ذكر صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، واستيفاء لأوجه المنة الربانية بخلق المركبات من دواب وأفلاك ... إلخ جاء التذكير بنعمة خلق بقية المركبات، فخلقنا لهم من جنس الفلك ما يركبون في البر من الدواب، وفي الجو لاحقا من الطائرات، فالآية مذكرة أهل كل زمان بنعمة ما يستعملونه من المركبات على حد قوله تعالى: (وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ).

ومن باب قرن الترغيب بالترهيب على ما اطرد في التنزيل من اقتران المتقابلات إمعانا في البيان إذ بضدها تتميز الأشياء:

وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَلَا هُمْ يُنْقَذُونَ (43) إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ:

فإن يشأ الرب، جل وعلا، صير النعمة نقمة.

والله أعلى وأعلم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير