ـ[مهاجر]ــــــــ[13 - 01 - 2010, 03:36 م]ـ
ومن قوله تعالى: (وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ):
فذلك مئنة من كمال ربوبيته، عز وجل، بإجراء أسباب التغير صلاحا وفسادا، قوة وضعفا، فتوالي الأضداد على المحل الواحد مئنة من كمال قدرة الرب، جل وعلا، القادر على إيجاد الأضداد على نحو يحصل به كمال التدبير، فهو الرب، الخالق بقدرته المدبر بحكمته.
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ (71) وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ (72) وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ:
فذلك من دلالة الإيجاد وجاء الجمع: "أيدينا" ملائما لـ: "نا" في: "خلقنا" مئنة من كمال قدرته، عز وجل، الإيجادية، فالاستفهام إنكاري توبيخي في معرض التنبيه على غفلتهم عن النظر في الآيات الآفاقية الملاصقة لهم، فالإنسان يباشر الأنعام ركوبا على نحو قد بلغ حد التواتر فهو عادة مطردة، فذلك أدعى إلى التفكر فيها لا الغفلة عنها، ونكرت الأنعام تعظيما مئنة من تنوع الأجناس وتعدد الأفراد فذلك مئنة من كمال قدرته، عز وجل، وجاء الإطناب ببيان منافعها: الركوب والأكل، فذلك خصوص تلاه العموم: "ولهم فيها منافع"، فذلك من تمام عنايته، عز وجل، بعباده، ثم جاء التنبيه على لازم تلك النعمة الكونية من التكليف الشرعي على ما اطرد مرارا من لزوم التأله، وهو فعل العبد، للربوبية إيجادا وعناية وهو فعل الرب جل وعلا، فلكلٍ فعل يناسب ذاته، فالرب، جل وعلا، له كمال الفعل جلالا وجمالا فرعا عن كمال ذاته القدسية فلا يناسبها إلا صفات القدرة والغنى ....... إلخ من أوصاف الربوبية، والعبد: نقص فعله فرع عن نقص أوصافه التي صدر عنها، فلا يلائمه إلا صفات الافتقار، فلو أظهر الغنى بلسان المقال أو الحال فذلك نذير فساد، إذ لا يلائمه إلا وصف الذل، كما أن الرب، جل وعلا، لا يناسبه إلا فعل الكبر والجبروت، فالذات غير الذات، فكذلك الصفات فليس كل ما كان كمالا في وصف الرب، جل وعلا، يكون كمالا في وصف العبد، فالرب: رب، والعبد: عبد، فلكل ما يلائمه من الصفات فرعا عن الذات كمالا في الرب، جل وعلا، ونقصانا في العبد.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[15 - 01 - 2010, 09:16 ص]ـ
أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (77) وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ:
فذلك من دلالة الإيجاد إبداعا من النطفة فابتداء غاية الخلق منها، وإعادة من باب أولى، فالإعادة أولى بالوقوع من الإبداع، وكلٌ على الرب، عز وجل، هين، وإنما جاء القياس في معرض الحجاج العقلي لمنكر البعث، وذيل بصفة العلم فهو يعم علم التقدير الأزلي الأول في عالم الغيب، وعلم الإحصاء الثاني في عالم الشهادة.
الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ:
فاستخرج الضد من ضده، فالشجر الأخضر مظنة الرطوبة وهي ضد النار بداهة، ولكن الرب، جل وعلا، لكمال قدرته على خلق المتضادات، بل واستخراج بعضها من بعض، أخرج النار من معدن مائي رطب، فكذلك يخرج الحي من الميت، فيخرج الإنسان الحساس المتحرك من النطفة الميتة، وبوم القيامة يخرج الأحياء جميعا من أجداثهم بماء ينزل من السماء فيه قوة الحياة كالنطفة التي أودع الله، عز وجل، فيها قوة الحياة فإذا باشرت البويضة أنتجت حياة حساسة متحركة بإذن الله، تبارك وتعالى، فكذلك إخراج الأجساد من الأجداث إلى أرض المحشر فإن الماء النازل يباشر عجب الذنب لكل ميت فتنشط مادة الحياة فيه، إعمالا للسبب في توليد مسببه على ما اطرد من السنة الكونية بترتب المسبب على سببه.
ثم ذيل الآية بدليل العناية إذ من ذلك الشجر توقد النار التي ينتفع بها المكلفون في شتى مناحي حياتهم.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[18 - 01 - 2010, 09:31 ص]ـ
¥