تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ:

استفهام تقريري إذ أجيب عنه بالنفي، فصار إثباتا من هذا الوجه.

وفيه إيجاز بحذف جملة تعلق بها الاستفهام على جهة الإنكار، فلا يخلو الاستفهام في سياق المنكر للبعث من إنكار وتوبيخ له، إذ أدلة البعث الخارجية: (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ)، والذاتية: (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ)، واعتبر بنوم الإنسان، فهو موتة صغرى تدل على الموتة الكبرى، واستيقاظه فهي بعثة صغرى تدل على البعثة الكبرى، فكيف ينكر الإنسان أمرا يباشره كل يوم؟!. فتقرير ذلك: أمر بدهي لولا ما أصاب الفطر من الفساد والانتكاس، فاستحق منكره التوبيخ بتقدير محذوف يلائم السياق على حد: أذهبت عقولهم وضلت أفهامهم فليس الذي ..................... ؟!. بلى إنكارا عليهم، وتقريرا لضد ما أنكروه.

وذكر الفاعل بصيغة الموصول إذ تعلقت الفائدة بالوصف الذي اشتقت منه صلته، فوصف الخلق الأول هو الفرع الذي قيس عليه خلقهم من بعد الموت: قياس أولى.

وفي معرض الإنكار جيء بوصف المبالغة: "الخلاق"، فهو أبلغ في تقرير ما أنكروه من وصف الفاعل: "الخالق"، وأردف بملزومه على صيغة المبالغة، أيضا، فإنه لا يكون خلق حادث إلا فرعا عن علم أزلي سابق، على حد قوله تعالى: (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)

ومن قوله تعالى: (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ):

فذلك من أمره الكوني النافذ، فإذا أراد شيئا، أي شيء، وهو ما يتصور وقوعه من الممكنات لا ما يفرضه الذهن من المحالات، فالنكرة في سياق الشرط مئنة من العموم، وهو عموم محفوظ، على ما تقدم من حد الشيء بالممكن، فإذا أراده فذلك العلم السابق، تكلم كيف شاء بالكلمة الموجدة له على حد الغنى فلا يفتقر إلى الأغراض افتقار الخلق إليها، فوجد الشيء المراد على سنن الحكمة البالغة، فوقع كما أراد، عز وجل، بلا زيادة أو نقصان، ولا يكون ذلك بداهة إلا بقدرة نافذة، فيوقع الشيء بقدرته، ويوقعه على قدر بعينه يحصل به كمال الاتنفاع عاجلا أو آجلا، وهي منفعة لعباده لا له، فهو الغني عن خلقه بل خلقه هو المفتقر إليه ليوجده أولا فتلك دلالة الإيجاد، وليدبر أمره ثانيا فتلك دلالة العناية، فإذا أراد شيئا تكلم بالكلمة الكونية النافذة فوقع المقدور بها عقيبها على حد الفور بلا تراخ، فآثار أسمائه وأوصافه في كونه نافذة، له سابقة، فله، عز وجل، كمال الوصف وإن لم يكن ثم خلق تظهر فيه آثاره فهو الخالق ولما يكن خلق بعد، وهو الرازق ولما تكن كائنات ترزق بعد فله كمال الوصف أزلا وأبدا كما تقدم.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[21 - 01 - 2010, 09:41 ص]ـ

ومن سورة الأحزاب:

ومن أعظم صور العناية بالنعم وأجلها: نعمة النبوات التي خوطب المكلفون بأخبارها وأحكامها:

ومن قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا)

فالإرسال هو الإرسال الشرعي، وإن كان يحتمل معنى الإرسال الكوني من جهة كون النبوة اصطفاء لا كسبا، والاصطفاء لا يكون بتحصيل أسباب شرعية فإن النبوة لا تكتسب بعبادة أو رياضة كما زعم من جوز ذلك من الفلاسفة وغلاة أهل الطريق، وإن أخفوا ذلك بعبارات مشكلة المبنى دقيقة المعنى فجوزوا لأنفسهم التعدي على مقام النبوة العلمي، فإنهم وإن لم يكونوا أنبياء بالفعل إلا أنهم أنبياء بالقوة لديهم من القوى العلمية ما يبحرون به في غمار وقف الأنبياء على سواحلها فلم يستطيعوا خوضها لغموضها وقصر علومهم وقواهم عن إدراكها!، وذلك نقض صريح وقدح فاحش في مقام النبوة: أعظم المقامات البشرية، ولكل محدث في الديانة، كما تقدم في مواضع سابقة، لكل محدث في الديانة من ذلك القدح نصيب.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير