تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فهو شاهد على أمته لتمام عدالته وضبطه، فعدالته قد بلغت حد العصمة، وضبطه قد بلغ غاية الإتقان فبلغ رسالات ربه، كما أمر، فلم يخطئ أو يكتم، وأمته شاهدة على بقية الأمم لتمام عدالتها فذلك تأويل قوله تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا).

وهو المبشر على حد الترغيب، والمنذر على حد الترهيب فلا قيام لكيان الإيمان في القلوب إلا على ساقي الخوف والرجاء، فالخوف متعلق صفات الجلال وأغلبها من صفات أفعاله، جل وعلا، في كونه، بكلماته الكونيات النافذة، والرجاء متعلق صفات الجمال وأغلبها من صفات ذاته، فله كمال الذات، وكمال الصفات بنوعيها فذلك مما يستقيم أمر القلب بالنظر فيه فلا ينظر إلى وصف الجلال بمفرده فيوقعه ذلك في اليأس والقنوط كما وقع لأهل الخروج الذي خافوا إلى حد اليأس، ولا ينظر إلى وصف الجمال بمفرده فيوقعه ذلك في الأمن والغرور كما وقع لأهل الإرجاء الذين أمنوا إلى حد الغرور، والحق وسط بين طرفين، فالكمال وسط بين الجلال والجمال، وللرب، جل وعلا، منه، أبلغ وصف وأعظم قدر.

وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا: فذلك لازم التبشير والإنذار فلا ينفك الداعي إلى أي مقالة عنهما، فالدعوة إلى الله، عز وجل، على حد تقدير مضاف دل عليه السياق اقتضاء من قبيل: داعيا إلى دين الله، أو سبيل الله، أو طريق الهجرة إلى الله ........ إلخ، لا تنفك عن تبشير بالثواب وإنذار بالعقاب. وقيد ذلك بإذن الرب، جل وعلا، على حد الحالية، فالقيد وصف كاشف للمقيد، والحال وصف في معناها تزيد عاملها أو صاحبها بيانا، فلا تكون تلك الدعوة إلا بإذن الله، عز وجل، وهو هنا، أيضا، يحتمل الإذن الكوني إذ شاء الرب، جل وعلا، بعث نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم في ذلك الزمان بعينه فنظر في قلوب البشر فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب تمسكوا بدين المسيح الصحيح، فأذن، عز وجل، ببعث خاتم النبيين، وتلك أعظم منة ربانية على النوع الإنساني، فالنعمة الدينية أشرف من النعمة الكونية لشرف متعلق الأولى على متعلق الثانية، فالروح اللطيف أشرف بداهة من البدن الكثيف، فمادة حياته من غذاء الوحي أشرف من مادة حياة البدن من غذاء الأرض، فالأول نازل من السماء والثاني نابت من الأرض، والنازل من عال أشرف بداهة من النابت من سافل، والنبوة من جهة أخرى أعظم أجناس النعمة الدينية، والنبوة الخاتمة من جهة ثالثة أشرف أجناس نعمة النبوات فقد نالت هذه الأمة أشرف النعم على حد الإطلاق ولم يفتها حظها من بقية أجناس النعم فهي مما يشترك فيه البشر، فكل يأكل وكل يشرب وكل ينكح ...... إلخ، كما أثر عن ابن حزم، رحمه الله، وليس كل يستعمل عقله فيما خلق له من التدبر والنظر في الآيات الشرعية التي جاءت بها النبوة والآيات الكونية التي بثها الرب، جل وعلا، في أرجاء كونه علامات يهتدي بها السائر في طريق الهداية فهي أول منازل الألوهية فمن عرف ربه بربوبيته النافذة، عرف نفسه بعبوديته الخاضعة بشتى أجناس التأله كما ذكر ابن القيم، رحمه الله، في طريق الهجرتين.

فهذا وجه الإذن الكوني، فإن ذلك إنما وقع بمشيئة الرب العامة دون سعي إلى اكتساب من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فـ: (وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ)، فما كان صلى الله عليه وعلى آله وسلم حريصا على النبوة أو طالبا لها طلب من ترهب من العرب كأمية بن ابي الصلت الذي آمن شعره وكفر قلبه حسدا للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن آثره الله بنعمة النبوة مع كونه، كما تقدم، غير طالب لها أو حريص عليها، وذلك حد العظماء من البشر فإنهم أبعد ما يكون عن طلب الرياسات، فتأتي إليهم منقادة بخلاف من طلبها فإنها تنفر منه وتترفع عليه، على حد قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "إنا والله لا نولي هذا الأمر أحدا سأله ولا أحدا حرص عليه"، ويستثنى من ذلك من وجد في نفسه كفاية دينية ودنيوية من جنس كفاية يوسف الصديق عليه السلام، كفاية: (قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير