تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فذلك من دلالة العناية بالرسل عليهم السلام وهو أمر قد اطرد من قصصهم، فجرى مجرى التواتر، وقد أبقى الله، عز وجل، من ذكرهم وآثارهم وما وقع بالمكذبين بهم ما فيه عبرة لمن تدبر ونظر.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[26 - 01 - 2010, 09:24 ص]ـ

ومن قوله تعالى: (قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (95) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ)

فذلك من الاستفهام الإنكاري التوبيخي فقد علق الإنكار على وصف النحت للصخر الذي يصيره آلهة بعد أن كان حجرا محضا، فلما قام به وصف الوثن، استحق اسمه فلزمه حكم التحريم والتوبيخ لمن اتخذه آلهة فهو كافر بداهة، فلم يتعلق به القبح لذاته فهو صخر كأي صخر، وإنما لحقه القبح لطارئ عرض له من وصف الوثنية، فاستحق اسم الوثن فتعلق به حكم التحريم بل التكفير لمتخذه، فلما زال عنه الوصف بتكسير أو طمس، زال عنه اسم الوثن، فزال حكم التحريم إذ قد علق على اسم قد زال الوصف الذي يتضمنه، فالاسم يدل على الوصف الذي اشتق منه دلالة تضمن له وللذات الموصوفة به، فهو علة إطلاقه، والحكم دائر مع علته وجودا أو عدما، فجاز الانتفاع به على قول بعض أهل العلم كأن يكون خشبا فيحرق للتدفئة، وقد فطن أهل الجاهلية لذلك فكانوا يأكلون آلهتهم إذا جاعوا!، كما أثر عن عمر، رضي الله عنه، وأي عجز عن وصف الربوبية أعظم من ذلك؟!، بل عن وصف الحياة الذي هو أصل الصفات التي يصدر عنها كل فعل اختياري، والفعل من أخص صفات الرب، جل وعلا، فله الصفات الفاعلة المتعلقة بمشيئته العامة النافذة، فعنها تصدر أفعال كماله التي يدبر بها كونه بكلماته الكونيات إحياء وإماتة ............ إلخ، فذلك من دلالة إيجاده وعنايته بالكائنات وهي منفية بداهة عن منحوت صخري.

وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ: فذلك من دلالة الإيجاد، فهو الذي خلقكم وما عملته أيديكم من الأصنام، أو هو خالقكم وعملكم ومن جملته نحت هذه الأصنام، فهذا أعم من جهة عموم الخلق لنحت تلك الأصنام خصوصا، ولكل أعمالهم عموما، فالرب، جل وعلا، خالق الأعيان والأفعال القائمة بها، فلم يخلق الأعيان دون الأفعال كما قالت القدرية الذين وصفوا الرب، جل وعلا، بلازم مقالتهم بالعجز، فانتقصوا من ربوبيته إذ أثبتوا خلقا خارجا عن مشيئته في كونه، وهو جل وعلا، خالق هذا الكون وخالق حركاته فلا يتحرك شيء ولا يسكن إلا بكلمة كونية نافذة، فإن شاء أصلح القلوب والأعيان بفضله، وإن شاء حكم عليها بالفساد بعدله، فاستفهام الخليل عليه السلام إلزام من إمام الموحدين صلى الله عليه وسلم لأولئك الذبن غيبوا عقولهم فعبدوا منحوت أيديهم، فإن الرب لا يكون عاجزا عن فعل شيء في كونه، فكيف برب عاجز عن الاتصاف بالوجود الذي هو قدر مشترك بين كل الموجودات علويها وسفلها، كيف يكون ربا وهو مصنوع باليد، أو مصنوع بقياس العقل استحسانا أو ذوقا، كما يقع من أصحاب الشرائع الأرضية والمواجيد الذوقية، فالأولون يخلقون إفكا علميا بمعزل عن النبوات ويصيرونه شرعا ملزما مع كونه ثمرة عقل ناقص الاستقراء جاهل بالعواقب والمآلات، لا يدرك من الغيب شيئا إلا حدسا وتخمينا، فكيف ينحى حكم الرب، جل وعلا، وهو الخالق بقدرته المدبر بحكمته فهو أعلم بصنعته علم كل صانع بصنعته، فله المثل الأعلى، (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)، فجعل كمال العلم بالكون المخلوق أصلا تفرع عنه إيجاده وخلقه، إذ لا يكون ذلك بداهة إلا بعلم تقديري سابق، علم به الرب كليات هذا الكون وجزئياته، ثم تكلم بالكلمات الكونيات المؤولات لهذا العلم الأول في عالم الغيب، فصار حاضرا في عالم الشهادة الوجودي بعد أن كان مقدرا في عالم الغيب العدمي، والآخرون يخلقون إفكا عمليا إذ يسيرون إلى الله، عز وجل، في طريق ما شرعه فهجرتهم إلى غيره، وإن كان أصل إرادتهم الهجرة إليه، ولكن الهجرة إليه لا تكون إلا بهجرة كل الطرق إلا طريق الرسالة، فلازم الهجرة إليه: الهجرة إلى رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تركا لحكم أو قياس أو ذوق أو سياسة أو خلق غيره، فلا تتلقى التصورات العلمية والأحكام العملية والسياسات الحكمية والتزكيات الخلقية لا تتلقى إلا من مشكاة نبوته الخاتمة فالخلق مفتقرون إلى النبوات أعظم من افتقارهم إلى الطعام والشراب، كما تقدم ذكره مما أثر عن الإمام المبجل أحمد بن حنبل رحمه الله، فقيام الأرواح مادة صلاح الأبدان ومتعلق الإرادات التي ينظر الرب، جل وعلا، إليها فلا ينظر إلى آلة التكليف، وإنما ينظر إلى مبدأ التكليف من الهم والإرادة ومنتهاه من إرادته جل وعلا بالفعل الكائن أو إرادة غيره من معبودات أهل الباطل، قيام تلك الأرواح لا يكون إلا بأغذية النبوة إن أصابتها المجاعة، وأدوية النبوة إن أصابتها الأمراض، فلا صلاح لهذا الكون مبنى ومعنى بغير رسم النبوة.

فإذ ثبت أنه، تبارك وتعالى، الخالق بقدرته المدبر بحكمته، فذلك من كمال إيجاده وعنايته، فلازم ذلك، كما تقدم مرارا، أنه الإله المستحق لأجناس التأله ديانة، فإلزام الخليل عليه السلام قد قطع حبال حججهم الواهية وأخرس منطوق ألسنتهم الكاذبة، فإنه عرض بالنقص الكائن في آلهتهم، على حد قوله لأبيه: (لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا)، وقوله لهم: (فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ)، فإن لهم من صفات النقص والعجز الذاتي الملازم لهم فلا ينفك عنهم ما يدل لزوما على بطلان ربوبيتهم: (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)، فلا يملكون لأنفسهم إيجادا أو تدبيرا فضلا عن أن يملكوه لغيرهم، فكيف صح التأله لهم والشرع والعقل والحس شاهد بنقصان ذواتهم وأفعالهم؟! والنفس قد فطرت على التأله للكامل لا للناقص فهي تأنف من الخضوع لمن هو مثلها على حد النقصان.

والله أعلى وأعلم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير