ـ[مهاجر]ــــــــ[01 - 02 - 2010, 08:43 ص]ـ
أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبَابِ:
فذلك إمعان في بيان عجزهم في مقابل عموم قدرة الرب، جل وعلا، فله، كما تقدم مرارا، كمال الملك للأعيان، فذلك من قدرته على إيجادها وموجد الصنعة أحق بملكها بداهة، إذ هو العليم بأسرارها ودقائقها، وكمال المِلك للأحوال فذلك من حكمته في تدبيرها فهو العليم بما تنتظم به أحوالها، فعلمه تقديري تأثيري تدبيري فبه وجدت الكائنات وبها تسير أحوالها على نحو ينتظم به أمر العالم إظهارا لآثار قدرته وحكمته، فإن هذا الكون لو تعدد موجدوه وتعدد مسيروه لفسد لا محالة بتعارض الأوامر الكونية فلكل سنته، وذلك مظنة فساد الحال في عالم الشهادة إذ تعدد الملوك في مملكة واحدة مظنة الفساد لتضارب الأحكام، ولله المثل الأعلى، فإن فساد الكون ثابت من باب أولى بتعدد الآلهة الآمرة فيه لو قيل بجواز ذلك فرضا عقليا محضا.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[02 - 02 - 2010, 08:25 ص]ـ
اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ:
فالعبودية عبودية العابد بقرينة: "أواب" التي ذيلت بها الآية فذلك وصف العابدين المخنارين مع كونه عبدا كبقية العباد باعتبار خضوعه لقدر الرب، جل وعلا، الكوني، فتكون الإضافة إلى الرب، جل وعلا، من باب إضافة التشريف، وناسب ذلك التعظيم بإيراد ضمير الجمع، وذلك من دلالة عنايته، تبارك وتعالى، بأنبيائه عليهم السلام، ثم وصف داود عليه السلام بوصف القوة فهو ذو الأيد، ووصف الأمانة فهو الأواب فذلك على وزان: الصبر فذلك من القوة النفسانية، واليقين فذلك من الأمانة.
إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ (18) وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ:
تسخيرا كونيا، فتسبح بلسان مقال لا يفقهه إلا خالقها ومرسيها عز وجل. فذلك مئنة من كمال قدرته الإيجادية والتسخيرية للكائنات فكلها حيها وميتها، فصيحها وأعجميها، قد وجدت بقدرته التكوينية النافذة، ثم سخرت وسيرت بحكمته التدبيرية البالغة، وسخر له الطير فذلك من نعمة الرب، جل وعلا، عليه، فسخر له جنس الجماد الراسي، وجنس الحي الطائر، فهو الخليفة الممكن في الأرض برسم النبوة، فملكه ملك مؤيد بالوحي الشرعي، فلا تصلح الأرض إلا إذا أشرقت بنوره فسطعت شمس الرسالة على أرجائها، فتسطع في أرجاء القلب لتبدد ظلمة الشرك والجهل، وتسطع في الخارج لتبدد ظلمة طغيان الأرباب التي نازعت الملك، جل وعلا، حكمه، فزاحمت شريعته بشرائعها المضطربة، وأحدثت من الأقوال والأحكام والأحوال والسياسات ما لم يأذن به، فأي خروج عن مقتضى الرسالة فهو مئنة من فساد النفس بخروجها عن ناموس الكون، وتأمل حال من ابتدع قولا كيف فسد قلب بانتحاله، أو فعل فاحشة كيف فسدت جوارحه بارتكابها، فالوحي قد حفظ على المكلفين قلوبهم وجوارحهم، باطنهم العلمي وظاهرهم العملي، فأي خروج عن قانونه المحكم ذريعة إلى اضطراب أحوال العالم، بشيوع الظلم قولا وفعلا، فإذا عم الظلم وطم، فحجب شمس النبوة، ظهر الفساد في البر والبحر، فخرب الرب، جل وعلا، العالم، لانقطاع خبر الرسالة، فهي مادة صلاحه، فانقطاعها مئنة من فساده كما أن خروج الروح مئنة من فساد البدن، فالنبوات هي الروح فهي سبب حياة القلوب، كما أن الروح المخلوق هو سبب حياة الأبدان: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)
وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ: فذلك عطف على الجبال في معرض الإطناب في بيان المنة الربانية على داود عليه السلام، وهي مئنة من عموم قدرته، عز وجل، إذ سخر الجماد الراسخ، والحي الطائر لعبد من عباده حقق معنى العبودية الشرعية فسخر الله، عز وجل، له الكائنات بإرادته الكونية فكان امتثاله أمر التشريع الحاكم ذريعة إلى انقياد الكائنات له بأمر التكوين النافذ، فاجتمعت في حقه الإرادتان الشرعية والكونية على نحو حصل له به تمام الانتفاع في الحال والمآل، وجاءت الحال "محشورة": إمعانا في الامتنان إذ ليس من طبعها الاجتماع، فنفورها من الإنسي معلوم، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، ومع ذلك حشرت لداود وسليمان عليهما السلام.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[03 - 02 - 2010, 09:25 ص]ـ
وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ:
فالحال مؤسسة تتوقف صحة المعنى عليها فما قدر الباري، عز وجل، السماء والأرض التي دخلت عليها "أل" الجنسية الاستغراقية، وما بينهما، إمعانا في بيان العموم باطلا، فذلك من سوء الظن بالله، عز وجل، أن يكون هذا الكون بسمائه وأفلاكه وأجرامه وأرضه وسمائه قد خلق عبثا!، أو باطلا، كما يقول أصحاب المقالات الردية التي جعلوا هذا الخلق البديع الذي ظهر به من آثار قدرة وحكمة الرب، جل وعلا، ما ظهر، باطلا لا غاية له، وذلك من فساد القياس العقلي بمكان، ثم جاء التنفير من هذه المقالة بنسبتها إلى الكافرين على حد الإشارة إلى البعيد تحقيرا، فذلك من سوء الظن بالله، عز وجل، فويل للذين كفروا إظهارا في موضع الإضمار تسجيلا للجناية وإمعانا في الذم بذكرهم بوصف الكفر الذي علق عليه حكم الوعيد، فويل للذين قام بهم وصف الكفر من عذاب النار إذ أساءوا الظن بالرب، جل وعلا، فأبطلوا دلالات أسماء العليم والخبير والحكيم ........ إلخ على صفات الإتقان التي ظهرت آثارها بخلق هذا الكون المحكم، فسنن الكون الجارية، وسنن الشرع الحاكمة، كل أولئك مئنة من تمام حكمته جل وعلا.
والله أعلى وأعلم.
¥