تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[مهاجر]ــــــــ[05 - 02 - 2010, 07:57 ص]ـ

ومن قوله تعالى: (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ):

فصيره الله، عز وجل، خليفة، وتلك منة ربانية، ليحكم بالحق بين الخلق، فتلك مهمة شرعية، ولازمها: النهي عن اتباع الهوى، فعطفه على الأمر بالحكم بالحق: من عطف المتلازمات العقلية، إذ لا ينفك العدول إلى الحق عن العدول عن الباطل، والهوى معدنه، فهما متناقضان لا يجتمعان ولا يرتفعان، والأمر له أمر لمن دونه من ملوك الدنيا من باب أولى، ففيه تنبيه بالأعلى على الأدنى، فمنصب النبوة أشرف المناصب البشرية، فالخطاب لهم في معرض الأمر التكليفي: أمر لمن هو دونهم من باب أولى، كما تقدم، إذ وظيفتهم البيان القولي والعملي للأمر الإلهي ليمتثل، فما أنزلت الشرائع إلا لتتبع، على حد قوله تعالى: (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ)، فنكرت الشريعة تعظيما كما ذكر صاحب "التحرير والتنوير"، رحمه الله، فذلك مئنة من عظم المنة الربانية على النوع الإنساني بالشرائع الإلهية عموما والشريعة الخاتمة خصوصا، والمنة دليل عناية بداهة، وما أنزلت الكتب إلا لتحكم، على حد قوله تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا).

وعلة النهي عن اتباع الهوى: أنه سبب الضلال العاجل، لما في الفاء بعد النهي من النص على السببية، فضلا عن دلالتها الوضعية على الفورية، فهو ضلال عاجل غير آجل، ثم ذيل بالعاقبة الآجلة على جهة الترهيب بالوعيد:

إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ: على حد الاختصاص والاستحقاق الذي دلت عليه اللام، فضلا عن الحصر والتوكيد بنقديم ما حقه التأخير.

بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ: على حد السببية، فبنسيانهم يوم الحساب استحقوا ذلك العذاب عدلا فلا يظلم ربك أحدا، والزيادة في المبنى مئنة من الزيادة في المعنى، فـ: "ما" المصدرية الحرفية وما دخلت عليه في تأويل مصدر ما دخلت عليه، وذلك آكد في الدلالة على عظم نسيانهم من الإتيان بالمصدر الصريح ابتداء.

والجعل هنا قد يكون كونيا، على حد قوله تعالى: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) فتلك الخلافة البشرية المطلقة، وهي من أعظم صور العناية والتشريف لابن آدم إذ اصطفاه الله، عز وجل، وهيأه بما جبله عليه من خلقة كاملة، وعقل مفكر يصح تعليق التكليف الشرعي به، فهو آلة الفهم، ولسان ناطق بما يجيش في الصدر من معان، فالكلام: لفظ مسموع ومعنى مفهوم، فليس أصواتا مجردة عن المعاني كأصوات الحيوانات وسائر الأصوات المهملة، فذلك من أمارات تكريم الإنسان، فقوله وفعله جار على أكمل سنن، فله من السنن الكونية ما يحفظ وجوده المادي، وله من السنن الشرعية ما يحفظ وجوده الروحي، وأتقن صنعه، فهو من صنع الله، عز وجل، صنعه بيده، فاختصه بما لم يختص به بقية المصنوعات المخلوقة بالكلمات الكونيات النافذات، فاستحق التكريم بسجود الملائكة من هذا الوجه: (قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ)، فتعلق الإنكار بامتناعه عن السجود لما قد خلق الله، عز وجل، بيديه، فالحكم معلق على ذلك الوصف الشريف لا على ذات آدم عليه السلام فإنها من جهة الذاتية: ذات كبقية الذوات المخلوقة، بل إن قواها الكونية أدنى من قوى الملائكة، ولكنها من جهة التكريم قد اختصت بمعنى لا يوجد في غيرها فهو مما انفردت به، وهو خلقها بيدي الرحمن، جل وعلا، فاستحقت العناية والتشريف من هذا الوجه، فاشتراكها مع بقية الذوات: اشتراك تواطؤ: فكلها مشتركة في وصف الذات المخلوقة، ولكنها امتازت بقدر زائد وهو: خلقها بيدي الرب الخالق البارئ، جل

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير