تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وعلا، بخلاف بقية الكائنات المخلوقة، أيضا، ولكن بالكلمة التكوينية النافذة، وذلك جار على حد التواطؤ في معنى النبوة الكلي، فهو قدر مشترك بين كل الأنبياء عليهم السلام، فهم في أصل النبوة سواء، ولكن الرب، جل وعلا، اختص بعضهم، بحكمته البالغة، بقدر زائد من الفضل، فاختص الرسل بما لم تختص به بقية الأنبياء، واختص أولوا العزم، عليهم السلام، بما لم تختص به بقية الرسل، واختص النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بما لم يختص به إبراهيم الخليل ومن بعده موسى الكليم فعيسى المسبح ونوح أبو البشر الثاني صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. وخلقه في أحسن تقويم باعتدال قواه الباطنة والظاهرة، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فليس التقويم تقويم الصورة الظاهرة بل ذلك مما لا يتعلق به التكليف إلا من جهة كونه الآلة التي يقع بها الفعل، فأحكامها بحسب ما يعرض لها من عوارض القدرة أو العجز، فلا معنى فيها في نفسها يوجب المدح أو الذم، فإن الطويل لا يثاب على طوله، والقصير لا يعاقب على قصره، وإنما يتعلق الثواب والعقاب بما قام بها من الأفعال حسنا أو قبحا، طاعة أو معصية، فقوى البدن من أدلة عنايته، جل وعلا، بالمكلف، إذ صححها له، فتلك عناية كونية يشترك فيها كل الأصحاء، وبعث إليهم الرسل، عليهم السلام، بما يكمل قواهم الباطنة، ويزكي قواهم الظاهرة: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)، فتلك العناية الشرعية الخاصة التي اختص بها المسددون ممن امتن الرب، جل وعلا، عليهم بتيسير أسباب الخير، فيعلمهم الكتاب والحكمة، فذلك كمال قواهم الباطنة بتصحيح أول المنازل: علما يصح به التصور، وإرادة تصلح بها حركة الباطن، ويزكيهم باعتدال قواهم الإرادية فلكل قوة باطنة ما يهذبها من أحكام الوحي المنزل، فللغضب حلم يكفه، وللشهوة عفة تكفها، وللجزع صبر يدفعه .......... إلخ، ومرد ذلك كله إلى: (وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ)، فإن للنفس في كل أحوالها هوى يقع به التعدي، فلها هوى في الغضب يحملها على الظلم، ولها هوى في الشهوة يحملها على هتك الحرمات، ولها في الجزع هوى يحملها على التسخط بنياحة وشق للجيوب ....... إلخ، ولا يكلف العباد بمنع العارض الوارد على القلب من فرح أو حزن، أو حب أو بغض، فليس ذلك إليهم، إذ القلوب ليست ملكا لأصحابها لتجري وفق مرادهم، وذلك من رحمة الرب، جل وعلا، بعباده فلا يكلفهم بما ليس في مقدورهم، وإنما يكلفون بمباشرة أدوية العوارض الكونية من أحكام الشرعة الإلهية.

يقول ابن تيمية رحمه الله:

"فإن من الناس من يكون حبه وبغضه وإرادته وكراهته بحسب محبته نفسه وبغضها لا بحسب محبة الله ورسوله وبغض الله ورسوله وهذا من نوع الهوى فإن اتبعه الإنسان فقد اتبع هواه: (ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله) فإن أصل الهوى هو محبة النفس ويتبع ذلك بغضها والهوى نفسه وهو الحب والبغض الذي في النفس لا يلام العبد عليه فإن ذلك لا يملكه وإنما يلام على اتباعه.

كما قال تعالى: (يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله).

وقال تعالى: (ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله).

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ثلاث منجيات: خشية الله في السر والعلانية والقصد في الفقر والغنى وكلمة الحق في الغضب والرضا وثلاث مهلكات شح مطاع وهوى متبع وإعجاب المرء بنفسه) ". اهـ

"الاستقامة"، ص459.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير