تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وذلك جار على ما تقدم من استعمال ما يلائم كل عارض من: الأخلاق، فللفرح أخلاقه، وللحزن أخلاقه، وللظهور أخلاقه وللانكسار أخلاقه، بل الخلق الواحد قد يستعمل في دفع أكثر من عارض فمعناه الكلي يقبل الانقسام بحسب الوارد، فالصبر: جنس كلي جامع تحته أنواع من: صبر المصيبة وصبر الغضب وصبر النعمة فلا يفرح بطرا، وصبر النقمة فلا يضجر جزعا، كما وصف بعض العرب أكمل الناس خلقا وأعدلهم طريقة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بقوله: "يغلب فلا يبطر ويغلب فلا يضجر" وصبر الطاعة فعلا، وصبر المعصية تركا، فيستعمل كل نوع فيما يقابله من العوارض، فذلك من العدل الذي جاءت به النبوات، فلكل حال ما يلائمها ولكل موضع ما يناسبه، والعدل هو: وضع الشيء في موضعه، فيوضع الحلم حيث يجدي، ويوضع الغضب حيث يجدي، ويوضع الصبر حيث يجدي، ويوضع كل نوع منه في المحل الملائم له، فتصلح القوى الباطنة بتعاطي أسباب الشرعة النازلة، فيتولد من ذلك من صلاح حركة الظاهر ما لا ينقضي عجب الناظر فيه!، ففي سير أعلام النبلاء من النبيين والصديقين والصالحين زاد لمن أراد سلوك طريق الهجرتين، فلا يستوحش من كان أولئك سلفه، فهو على دربهم سائر ولآثارهم طالب، ولا دليل مرشد إلى المطلوب الأسمى من رضا الرب الأعلى، أصدق منهم، فإن الرائد لا يكذب أهله، ولقد صدق المرسلون عليهم السلام فيما بلغوا عن ربهم، عز وجل، وصدق الصحب الكرام، رضي الله عنهم، فيما نقلوا عن نبيهم صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وصدق ورثة الأنبياء في حمل علوم الرسالة، وأدائها أداء العدول الضابطين، فهم الثقات الذين صدقت أعمالهم علومهم فكانوا أعلاما على طريق النجاة يدعون الناس إلى الجنة بالقول والعمل وغيرهم، كما يقول ابن القيم رحمه الله، فاتك يقطع الطريق، فيدعو الناس إلى الجنة بلسانه، ويصدهم عن طريقها بلسان حاله، فلو كان ما يدعو إليه خيرا لظهر أثره عليه، فهو من أفسد الناس طريقة، وإن كان من أهل السليقة.

فأي عناية وتكريم أعظم من ذلك؟!.

وقد يحمل الجعل هنا على الجعل الشرعي، فإن داود، عليه السلام، ما تولى ما تولى إلا برسم النبوة فـ: (وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ)، وذلك أيضا من العناية الإلهية بالنوع الإنساني أن جعل أمره إلى النبوات فهي الحاكمة برسم صلاح الأديان والأبدان، فإن عزلت رأيت ما نحن فيه من أجناس الفساد الكبير في أمر الدنيا والدين، فالأمر، كما تقدم مرارا، مطرد منعكس، فحيث وجدت نبوة: كان صلاح حال ومآل، وحيث لا فلا.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[08 - 02 - 2010, 10:47 ص]ـ

وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ (34) قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ: فدعا ربه، جل وعلا، إذ له كمال القدرة والحكمة، فهو الوهاب يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء، فذلك من دليل عنايته الخاصة بأنبيائه عليهم السلام، وهو من المجمل الذي بينه ما بعده:

فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ: فذلك من تسخير الجند غير العاقل.

وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ:

فذلك من الجند العاقل. وَآَخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ.

هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ:

فذلك تذكير بالمنة الربانية فهو عطاء الرب، جل وعلا، الذي سلط عليه سليمان عليه السلام برسم الملك فيعطي من يشاء ويمنع من يشاء بخلاف النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهو عبد رسول لا يقسم إلا حيث أمر بالقسم، ولا يمنع إلا حيث أمر بالمنع، فهو بأمر ربه، جل وعلا، الشرعي عامل، ولا يعني ذلك أن سليمان عليه السلام كان على غير طريقة الشرع، وإنما فوض بمقتضى أمر الكون فهذا: "عطاؤنا" فنسبة العطاء إلى الرب، جل وعلا، على حد التعظيم مئنة من كون الأمر إليه فإطلاق يد سليمان عليه السلام إنما كان بالأمر الكوني برسم النبوة فهي من الأمر الشرعي، وتلك سنة أخرى مطردة فإن من التزم أمر الشرع أخضع الله، عز وجل، له الأشياء بأمر الكون.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير