تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

رب خالق، ومربوب مخلوق، فلا تماثل بينهما ليصح اتخاذه صاحبة من خلقه، أو نسبة ولد إليه، فالولد منفي من جهة:

نقضه لوصف الغنى والتفرد بأوصاف الكمال فيشركه الولد فيها إذ الفرع يشرك أصله في كثير من وصفه وإن لم يكونا متماثلين.

ومن جهة انتفاء نسبة المخلوق إليه نسبة الولد إلى أبيه إلا على حد البنوة: عناية واصطفاء على وزان قول اليهود والنصارى: نحن أبناء الله، وإن كذبوا في ذلك، فلم يرد القائل بنوة الولادة المعهودة فإن ذلك لا يقول به حتى من نسب الصاحبة والولد إلى الله، عز وجل، فهو يقصر ذلك على أفراد بعينهم، كالبتول والمسيح والعزير، عليهم السلام، وإنما أراد بنوة المحبة والاصطفاء وذلك ما فسره قولهم عقيب ذلك: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ)، وذلك ما اطرد في الكتب السابقة وامتنع في الكتاب العزيز سدا للذريعة لئلا يتوهم متوهم أو يحتج مشبه بهذا اللفظ المجمل فيحمله على المعنى الباطل فينسب النقص والحاجة إلى الرب جل وعلا، فلا نسبة بين المخلوق والخالق إلا نسبة العبودية كونية اضطرارية أو شرعية اختيارية لا ينفك صاحبها عن العبودية الاضطرارية فهي قدر مشترك بين كل الكائنات فكلها مذلل معبد بالأمر الكوني النافذ، فالله، عز وجل، الذات المتصفة بأوصاف الكمال الأزلي فلا شيء من ذاته أو صفاته مخلوق أو حال في مخلوق كما زعمت النصارى الملكانيين أو الكاثوليك، الذين قالوا بحلول وصفه في مخلوق، والنصارى اليعاقبة أو الأرثوذكس الذين قالوا بحلول ذاته في رحم مخلوق!، فقولهم أفحش وأنقض لقياس العقل الصريح فضلا عن معارضته لمحكم التنزيل الصحيح، وما سواه عبد له فلا نسبة بينهما إلا تلك النسبة، وأشرف ما يتصف به العبد هو: العبودية الاختيارية فيكون عابدا مختارا يمتثل الأمر الشرعي الحاكم مع كونه عبدا منقادا يسير وفق الأمر الكوني النافذ، فتلك ثنائية السعادة في الدارين.

وخلقه للأشياء خلق بعلم، والعلم لا يكون إلا من مريد، يعلم الشيء فيوقعه بإرادته على وفق ما قدره أزلا، فليس خلقا اضطراريا كما زعم الفلاسفة القائلون بالإيجاب الذاتي، فعلة صدور الكون عندهم: ذات الله، عز وجل، فيكون الكون قد تولد منه تولد الجزء من كله، أو المعلول من علته، فيقارنها على قولهم باقتران العلة والمعلول، فيثبت لكل أفراد العالم وصف الأولية الذي انفرد به الرب، جل وعلا، فذلك أفحش من إثبات أولية أفراد بعينهم كالمسيح والروح القدس عند النصارى، مع كونها جميعا مقالات في غاية البطلان، إذ لا ينازع أحد الرب، جل وعلا، وصف كماله، ومنه وصف الأولية فهو الأول مطلقا بذاته القدسية وصفاته العلية فله الكمال أزلا وأبدا، وتخصيص الكائنات على هذا الوجه فلكل كائن صورة تباين غيره مئنة من إرادته، عز وجل، فليس الأمر، كما تقدم، سنة ميكانيكية لا تتبدل، فيكون البشر قالبا واحدا!، فيصح احتجاج الملاحدة، وإنما تتعدد صورهم إمعانا في إثبات إرادة الرب، جل وعلا، وقدرته، فذلك التنوع من دلالة إيجاده أيضا، فضلا عما يتحقق به من كمال عناية بالخلق إذ تتكامل المخلوقات ليحصل بذلك انتظام أمر العالم على هذا النحو المتقن كما تقدم في بيان صورة الاتزان البيولوجي وهو أحد دلائل العناية الربانية بالخلق، ودلائل إيجاده وعنايته أكثر من أن تحصى، وإنما تلك إشارة إلى بعضها، فلا يحيط بوصف الرب، جل وعلا، وما يصدر عنه من الآلاء إلا هو.

وخلقه لكل الأشياء خرج منه بداهة: ذاته القدسية وصفاته العلية بخلاف من يستدل بمثل هذه العمومات على خلق بعض أوصاف الرب، عز وجل، كما صنع المعتزلة في محنة خلق القرآن وهو من وصف الرب جل وعلا، أو حلولها في بعض المخلوقات كما صنع النصارى في أقنومي الكلمة والحياة، فأقنوم الكلمة هو المسيح عليه السلام، وأقنوم الحياة هو الروح القدس عليه السلام وكلاهما حادث بعد أن لم يكن، فإن من يثبت وقوع المجاز في الكتاب العزيز يجريه مجرى العام الذي أريد به الخصوص، فيكون مجازا علاقته الكلية إذ أطلق الكل وأراد البعض، وهو ما عدا الرب، جل وعلا، ذاتا وصفات، ومن ينكر وقوع المجاز في التنزيل يقول بأن السياق قد دل على المعنى المراد ابتداء، فعموم: "كل" بحسب السياق الذي ترد

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير