تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فيه، ففي سياق الخلق تقديرا وإيجادا يكون تقدير الكلام: وخلق كل شيء يصح وصفه بأنه مخلوق، والخالق، عز وجل، لا يوصف بأنه مخلوق بداهة، فهو الخالق للأشياء، فكيف يستوي هو أو وصف من أوصافه مع المخلوقات التي صدرت عن كلماته الكونيات التي هي أثر أوصاف جلاله وجماله، فيصير الخالق بصفاته الفاعلة: مخلوقا فيلزم من ذلك التسلسل إذ كل مخلوق لا بد له من خالق، وهو ما أمر صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالانتهاء عنه والاستعاذة منه كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا: "إِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْتِي أَحَدَكُمْ فَيَقُولُ مَنْ خَلَقَ السَّمَاءَ فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَيَقُولُ مَنْ خَلَقَ الْأَرْضَ فَيَقُولُ اللَّهُ فَيَقُولُ مَنْ خَلَقَ اللَّهَ فَإِذَا أَحَسَّ أَحَدُكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا فَلْيَقُلْ آمَنْتُ بِاللَّهِ وَبِرُسُلِهِ"، أو يقال بأنه القسمة الثنائية: معلومة ابتداء من السياق، فالضمير المستتر في الفعل: "خلق" دال على الخالق، عز وجل، فهذا طرف منها، والطرف الآخر هو المخلوقات التي جاء النص بـ: "كل" على عمومها المحفوظ، فليس ثم تخصيص، إذ قد خرج الرب، جل وعلا، من هذا العموم ابتداء فهو الطرف الآخر من طرفي هذه القسمة، فليس ثم، كما تقدم، إلا رب خالق له أولية الذات والوصف على وجه من الكمال المطلق لا يعلم حقيقته إلا هو، وما سواه مربوب مخلوق له، كائن بإيجاده، مسير بتدبيره الكوني، مأمور بامتثال حكمه الشرعي، فهو الإله الحاكم المشرع فرعا عن كونه الرب الخالق المدبر سبحانه وتعالى وعز وجل.

وأظهر لفظ: وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ، وحقه الإضمار لتقدم ذكره، لأن التذييل كما يقول صاحب التحرير والتنوير يجري مجرى الأمثال السائرة فناسب أن يرد بلفظ تام لا إبهام فيه ولا إضمار.

وعلى ما اطرد من كون عموم: "كل" بحسب السياق الذي ترد فيه، فإن السياق هنا بخلاف السياق المتقدم فقد امتنع دخول الرب، جل وعلا، في ذلك السياق، على التفصيل المتقدم، فالخلق معنى لا يلحق الرب، جل وعلا، ذاتا أو صفات، بخلاف العلم فإنه، عز وجل، بكل شيء عليم بما في ذلك حقيقة ذاته القدسية وصفاته العلية بل لا يعلم أحد، ولو كان ملكا مقربا أو نبيا مرسلا كنه ذات الرب، جل وعلا، أو كنه وصفه، ولا يعلم أحد منتهى كماله، تبارك وتعالى، فهذا أعلم الخلق به صلى الله عليه وعلى آله وسلم يناجيه بقوله: "لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ" فكيف بمن دونه؟!.

ولعل ذلك مما سوغ إظهار: "كل شيء" في هذا السياق مع تقدمه في الذكر إذ ليس الأول كالثاني فمتعلق الخلق غير متعلق العلم، فالعلم أعم من الخلق فيشمل الخالق، عز وجل، والمخلوق بخلاف الخلق الذي يقتصر على المخلوق كما تقدم بيانه.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[10 - 02 - 2010, 08:27 ص]ـ

وعودة إلى سورة ص:

وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ: فذلك من الابتلاء الكوني الجائز على الأنبياء عليهم السلام فيجوز عليهم المرض غير المنفر لمقام النبوة التي تقتضي البلاغ الذي يحسن معه حسن الهيئة، وبذلك ضعفت الروايات المشهور في مرض أيوب عليه السلام.

ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ: فذلك من عنايته، عز وجل، بنبيه أيوب عليه السلام، ففي شفاء ظاهره بالمغتسل، وباطنه بالشراب، آية كونية على كمال قدرته، عز وجل، وهو تقرير لسنة الاستشفاء الكونية فإن الله، عز وجل، قد وضع أسباب الشفاء في الدواء فإن أصاب الداء شفي المريض بإذن الله.

وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير