تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

"أَكْرَمُ الْمُؤْمِنِينَ هُوَ الْأَطْوَعُ لله، وَالْأَتْبَعُ لِلْقُرْآنِ، وَهُوَ الْأَتْقَى، وَالْأَتْقَى هُوَ الْأَكْرَمُ، قَالَ تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}. وفي السُّنَنِ عَنِ النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ أنه قَالَ: «لَا فَضْلَ لِعَرَبِي على عَجَمِي، وَلَا لِعَجَمِي على عَرَبِي، وَلَا لِأَبْيَضَ على أَسْوَدَ، وَلَا لِأَسْوَدَ على أَبْيَضَ، إِلَّا بِالتَّقْوَى، النَّاسُ مِنْ آدَمَ، وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ». وَبِهَذَا الدَّلِيلِ يَظْهَرُ ضَعْفُ تَنَازُعِهِمْ في مسألة الْفَقِيرِ الصَّابِرِ وَالْغَنِي الشَّاكِرِ، وَتَرْجِيحِ أَحَدِهِمَا على الْآخَرِ، وَأَنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّ التَّفْضِيلَ لَا يَرْجِعُ إلى ذَاتِ الْفَقْرِ وَالْغِنَى، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ إلى الْأَعْمَالِ وَالْأَحْوَالِ وَالْحَقَائِقِ، فَالْمَسْأَلَة فَاسِدَة في نَفْسِهَا. فَإِنَّ التَّفْضِيلَ عِنْدَ الله بِالتَّقْوَى وَحَقَائِقِ الْإِيمَانِ، لَا بِفَقْرٍ وَلَا غِنًى. وَلِهَذَا - والله أَعْلَمُ - قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: الْغِنَى وَالْفَقْرُ مَطِيَّتَانِ، لَا أُبَالِي أَيُّهُمَا رَكِبْتُ. وَالْفَقْرُ وَالْغِنَى ابْتِلَاءٌ مِنَ الله تعالى لِعَبْدِه، كَمَا قَالَ تعالى: {فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي} {أَكْرَمَنِي}. الآية فَإِنِ اسْتَوَيا - الْفَقِيرُ الصَّابِرُ وَالْغَنِي الشَّاكِرُ - في التَّقْوَى، اسْتَوَيَا في الدَّرَجَة، وَإِنْ فَضَلَ أَحَدُهُمَا فِيهَا فَهُوَ الْأَفْضَلُ عِنْدَ الله، فَإِنَّ الْفَقْرَ وَالْغِنَى لَا يُوزَنَانِ، وَإِنَّمَا يُوزَنُ الصَّبْرُ وَالشُّكْرُ.

وَمِنْهُمْ مَنْ أَحَالَ المسألة مِنْ وَجْه آخَرَ: وَهُوَ أَنَّ الْإِيمَانَ نِصْفٌ صَبْرٌ وَنِصْفٌ شُكْرٌ، فَكُلٌّ مِنْهُمَا لَا بُدَّ له مِنْ صَبْرٍ وَشُكْرٍ. وَإِنَّمَا أَخَذَ النَّاسُ فَرْعًا مِنَ الصَّبْرِ وَفَرْعًا مِنَ الشُّكْرِ، وَأَخَذُوا في التَّرْجِيحِ، فَجَرَّدُوا غَنِيًّا مُنْفِقًا مُتَصَدِّقًا بَاذِلًا مَالَه في وُجُوبِ الْقُرْبِ شَاكِرًا لله عليه، وَفَقِيرًا مُتَفَرِّغًا لِطَاعَة الله وَلِأَدَاءِ الْعِبَادَاتِ صَابِرًا على فَقْرِه. وَحِينَئِذٍ يُقَالُ: إِنَّ أَكْمَلَهُمَا أَطْوَعُهُمَا وَأَتْبَعُهُمَا، فَإِنْ تَسَاوَيَا تَسَاوَتْ دَرَجَتُهُمَا. والله أَعْلَمُ. ولَوْ صَحَّ التَّجْرِيدُ، لَصَحَّ أَنْ يُقَالَ: أَيُّمَا أَفْضَلُ، مُعَافًى شَاكِرٌ أَوْ مَرِيضٌ صَابِرٌ. أوَ مُطَاعٌ شَاكِرٌ أَوْ مُهَانٌ صَابِرٌ. أَوْ آمِنٌ شَاكِرٌ أَوْ خَائِفٌ صَابِرٌ؟ وَنَحْوُ ذَلِكَ". اهـ

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[12 - 02 - 2010, 08:07 ص]ـ

وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ: فعندهم من القوة صبرا وعزما، والبصر يقينا ما جعله أئمة مصطفين.

إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ: فأخلصهم الرب، جل وعلا، واصطفاهم له بخالصة عظيمة نكرت على حد التفخيم، وتلك ذكرى الدار الآخرة، فذلك من البيان الذي لا مزيد عليه، كما ذكر صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، إذ اسم المصدر: "ذكرى" قد زيد في مبناه عن المصدر: "ذكر" فذلك مئنة من زيادة المعنى كما قرر ذلك البلاغيون، فمال الرسل، عليهم السلام، ولهذه الدار؟!، بل مال من دونهم من الصديقين والشهداء والصالحين ولها، فهي دار بلاغ وجواز إلى الدار الآخرة: دار القرار حيث يحط المهاجر رحله، فهو في هذه الدار في كدح دائب إلى أن يلقى الرب المالك، جل وعلا، فيستوفي الملك وديعته، إظهار لوصف ربوبيته القاهر لكل ما سواه فأمات ليظهر أثر اسمه الحي فلا يعتريه ما يعتري خلقه من التغير والفساد، بل هو الحي أول أزلا، الحي الآخر أبدا، المحيي لعباده في هذه الدار إذ أخرجهم من الموت إلى الحياة، فصاروا شيئا بعد أن كانوا عدما، المحيي لهم في دار القرار بما أمدهم من أسباب البقاء، فبقاؤهم منه، وبقاؤه، عز وجل، ذاتي لا يعلل، كما أن فقرهم ذاتي لا يعلل.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير