تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآَبٍ: فذلك جار مجرى المطابقة بين سياق النعيم وسياق العذاب، فأجمل أيضا، بـ: "شر مآب" ثم بين هذا الإجمال بذكر الاسم العلم الدال عليه: "جَهَنَّمَ"، ثم ذكر في سياق الأمر إهانةً: أصنافا من العذاب: (فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ)، وهو قائم مقام بدل الاشتمال من جهنم، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، إذ جهنم تحويه وتحوي غيره من أصناف العذاب التي لا تخطر على البال، ثم عم بقوله: (وَآَخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ)، ووجه العناية هنا ظاهر بالنسبة إلى ما يفيده الوعيد من كف للنفس عن مباشرة المحظور، فبتركه يصلح أمر الدنيا والدين، فليس تركه مصلحة شرعية فحسب، بل هو مصلحة معجلة في الدار الأولى باستقامة أمرها وصلاح حالها، فالنبوة، كما تقدم مرارا، مادة صلاح هذا العالم المشهود، فبلا أمر ونهي شرعي، يقع من الفساد الكوني ما يقع، وهذا أمر ظاهر في زماننا الذي عطلت فيه شريعة الوحي المنزل من عموم الأرض إلا بقاعا بعينها، وعطلت من عموم الأنفس إلا أنفسا بعينها، ففسد المحل والحال فيه، ووجه العناية أيضا أنه شفاء لصدور المؤمنين من الكافرين، بتأويل الوعيد فيهم، فكثير منهم قد خرج من هذه الدنيا ولما يستوف عقابه، فيصير من كمال نعيم الموحدين في دار المقامة النظر إلى الكفار يعذبون، على حد قوله تعالى: (فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (34) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ (35) هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ)، فضلا عما يجده المكلف في نفسه من مطالعة هذه الآيات التي علقت فيها الأحكام الشرعية أو الكونية على أسباب توجد بوجودها وتفقد بفقدها فذلك مما يشرح الصدر بتأمل سنة الباري، عز وجل، في كونه، فهي مئنة من إتقان الصنعة، وإحكام الأمر الكوني النافذ، وعدل الأمر الشرعي الحاكم، فيحصل للناظر فيها من كمال العناية بمباشرة لذة النظر في معاني اسمه الحكيم الذي أقام كونه على سنن محكمة ما يحصل، فمن سدد إلى ذلك لا سيما في النوازل التي تطيش فيها العقول وتذهل فيها النفوس، من سدد إلى ذلك فقد حاز الشرف.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[17 - 02 - 2010, 09:02 ص]ـ

ومن قوله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنْذِرٌ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّار): فذلك من القصر الإضافي باعتبار مقام التبليغ، ثم جاء وصف الجلال في مقام الترهيب بعد آيات الوعيد فهو الواحد في ذاته القهار في وصف جلاله.

ثم جاء الإطناب في معرض بيان عموم قدرته، عز وجل، على الإيجاد والتدبير، فهو: رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا: مِلكا ومُلكا، كما سبقت الإشارة إلى ذلك مرارا، وهو الموصوف بوصف الجلال: الْعَزِيزُ فلا ينال، ولا يضره عصيان العاصي ولا تنفعه طاعة الطائع، فمن أحسن فلنفسه ومن أساء فعليها، ووصف الجمال: الْغَفَّارُ: فزيادة المبنى مئنة من زيادة المعنى، فهو الستير للذنوب فيغفرها ولا يبالي، ومن أحسن الظن أحسن العمل حتى يبلغ المنزل فيقطع طريق الهجرة الشاق بزاد الرجاء والخشية، بداعي الرغبة فيما عند الكريم والرهبة من بطش الجليل.

قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ: فأعيد القول عناية بالشأن، والضمير إما أن يعود على ما تقدم، وإنما أن يكون ضمير شأن لما هو آت، فالنبأ: العظيم هو تخاصم أهل النار، على القول الأول، أو ما هو آت من اختصام الملأ الأعلى على القول الثاني، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، ونكر النبأ تعظيما وزيد في هذا المعنى بالنص على العظمة صراحة، فيكون التعظيم مستفادا من المعنى والمبنى وهم مع ذلك معرضون عنه، فذلك مئنة من جهلهم، فإن هذا النبأ لمن تأمله مستغرق لقوى الناظر فيه، فلا يملك إلا الانكباب عليه لا الإعراض عنه.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير