تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فـ: مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ: استحضارا للصورة إن أريد ما تقدم من اختصام الملأ الأعلى، أو هي على بابها للاستقبال، فيكون الإتيان بظرف الماضي: "إذ" مئنة من تحقق وقوع الأمر، فالمعنى المجازي معتبر في كلا الحالين، إذ استعار المضارع للماضي في الأولى، واستعار ظرف الماضي للاستقبال في الثانية.

إِنْ يُوحَى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ: فذلك من القصر الإضافي تنويها بشأن الوحي، وهو قصر قلب لاعتقادهم إذ كانوا يتخذون هذا الوحي لعبا، وهو نذير مبين يحمل سامعه على لزوم الجادة.

إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ: فذلك من دلالة الإيجاد إذ خلق البشر من مادة الطين، على ما تقرر مرارا، من ابتداء الغاية في "من"، فأصل الخلقة طين، وإن لم يكن المخلوق بعد تسويته ونفخ الروح فيه: طينا، فمادة الروح اللطيفة لما سرت في ذلك الجسد الطيني الكثيف صيرته لحما ودما، فبثت مادة الحياة في الجسد الميت، فصار حساسا متحركا بإذن الرب الخالق المكون، جل وعلا، وإمعانا في الامتنان وتقريرا لدلالة العناية بآدم عليه السلام، فالدلالتان لا تنفكان فمجرد الإيجاد من العدم نعمة، فكيف إذا أسبغها الرب، جل وعلا، على العبد، فسوى خلقته، ونفخ فيه من روح نورانية لطيفة أضافها إلى نفسه تشريفا لها، فهي أشرف مادتي البدن، فخلق الجسد بيديه، ونفخ فيه الروح المخلوق على كيف يليق بجلاله، فصار هذا الطين الميت بشرا حيا متحركا، على حد قوله تعالى: (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ) فهو معدن الحياة، ففي صلبه حلت الذرية، ومن ضلعه خلق الزوج، فمادته أشرف من مادة النار التي خلق منها إبليس، وخلقه أشرف إذ خلق بيدي الرحمن، عز وجل، فلو كانت اليد بمعنى القوة لفسد المعنى إذ المصادر: أسماء أجناس إفرادية معنوية يستوي فيها القليل والكثير، فلا معنى لتثنيتها إذ المفرد دال بوضعه على كل صورها ومراتبها ولله، عز وجل، منها القدر الأعظم والوصف الأشرف على الوجه اللائق بجلاله. ولو كان ذلك صحيحا لاحتج إبليس بخلقه هو الآخر بالقدرة أو القوة أو النعمة عليه بإيجاده من العدم، فذلك مما استوت فيه كل الكائنات الحادثة، وإنما امتاز آدم بخلقه بيدي الرب، جل وعلا، على وجه يليق بجلاله.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[18 - 02 - 2010, 07:15 ص]ـ

فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ: فتلك من دلالة إيجاده، عز وجل، لأصل النوع الإنساني على أكمل هيئة، فسواه ونفخ فيه الروح اللطيف الذي أضافه إلى نفسه على جهة التشريف فهو روح مخلوق ابتدأ الله، عز وجل، خلقه من العدم، فبقدره الكوني كان، وبقدره الكوني سرى في جسد آدم، عليه السلام، فانقلب الطين الموات إلى مادة حياة حساسة متحركة، ثم جاء الأمر الشرعي للملائكة ابتلاء، ولآدم تكريما، فتلك من دلالة عنايته، عز وجل، بهذا الإنسان المستخلف في هذه الأرض ابتلاء ليظهر باستخلافه آثار وصف الرب، جل وعلا، جمالا وجلالا، فله الحمد على كمال ذاته وصفاته.

فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (73) إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (74) قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ)

فقاس قياسا فاسدا: قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ:

فأثبت الخيرية لنفسه بلا دليل، وذلك ترجيح بلا مرجح، بل الدليل الذي استدل به هو، عند التحقيق، دليل عليه، وهو أمر صار فيه إماما لكل مبتدع في الديانة جاء بعده، فهو إمام الكافرين، وإمام المبتدعين، فإنه ما من مبتدع يستدل بدليل إلا وما ينقض بدعته كائن في نفس دليله، علم ذلك أو جهله، كما قرر ذلك المحققون من أهل العلم، فإن الاستدلال بخيرية الأصل على لزوم خيرية الفرع، غير لازم، فقد يكون الأصل شريفا والفرع خسيسا، وهذا أمر يصدقه الحس، فكم من فروع فاسدة لأصول صالحة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير