تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ما لا يحصى من الداعين بشتى اللغات، فيعطي كلا سؤله إن شاء فضلا، ويمنعه إن شاء عدلا، لا لحجبه عنه كما يقع في عالم الشهادة لمن حجب عن ملوك الدنيا، فليس الدخول عليه، تبارك وتعالى، كالدخول على غيره، فإن له من السلطان النافذ ما قد عم به كونه، فاطلع على السر والعلن، وعلم الباطن والظاهر بخلاف سلطان الدنيا الذي لا يعلم من أمر رعيته إلا ما عُلِّم، ولا يحيط بشيء من مكنون الصدور،فلا يعلم إلا ما ظهر، فهو محجوب عن رعيته بحجاب نقصان الذات والصفات بخلاف الرب، تبارك وتعالى، المطلع على كل شأن في كونه بما اتصف به من كمال الذات والصفات، فليس علمه كعلم غيره، وليست قدرته النافذة كقدرة غيره، كما أن ذاته ليست كذات غيره، فالقول في الصفات فرع عن القول في الذات، فكمال صفاته العلية جلالا وجمالا فرع عن كمال ذاته القدسية. فليس كمثله شيء في ذاته أو أسمائه أو صفاته أو أفعاله.

وجاء تنكير الضر مئنة من العموم، فإذا مسه أي ضر جأر بالدعاء وقد كان قبل الابتلاء غافلا، ولعل ذلك من إنذار الرب، جل وعلا، له، وحلمه عليه، إن كان قد سبق في علمه إيمانه فيكون الضر في حقه منحة، أو صبره عليه إن كان من أهل الشقاوة، فيكون إعطاؤه في الدنيا من باب: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ).

وجاء تنكير النعمة مئنة من التعظيم فنعمة الرب، جل وعلا، بكشف السوء من اعظم النعم الكونية.

فإذا كشف الأحد الذي لا نظير له في ذاته أو وصفه عنه الضر نسي واتخذ الأنداد، وذلك من الظلم بمكان إذ فيه التسوية بين أعظم متباينين، فلا يستوي من وصفه: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)، ومن وصفه: (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ).

وقوله: (لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ): باعتبار العاقبة ثم جاء النذييل بأمر التهديد: قلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ: وفيه من المساءة ما فيه فهو أمر للإهانة فينزل منزلة الاستعارة التهكمية وتلك من صور الإهانة البالغة.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[23 - 02 - 2010, 07:25 ص]ـ

ومن قوله تعالى: (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ)

فأشار إلى وحدة الأصل فمنشأ الذرية من نفس واحدة، على ما اطرد من كون "من" لابتداء الغاية، أو للجنسية فتفيد بيان الماهية، فماهية النوع الإنساني واحدة وإن اختلفت أفراده في الخارج، فهي تشترك في نوع الإنسانية، ثم يتفرد كل فرد بقدر زائد به يتميز عن بقية الأفراد في الخارج، وتلك الوحدة النوعية مئنة من وحدانية الرب، تبارك وتعالى، فربوبيته تظهر في التوحد والاختلاف، ففي التوحد تظهر سنته الكونية المحكمة في تولد النوع من نوعه، فلا يتولد من الإنسان إلا الإنسان، ولا يتولد من القرد إلا قرد بخلاف ما ذهب إليه الحاط من قدر البشر المزدري لنعمة التكريم الكوني للنوع الإنساني المدعو: دارون، صاحب نظرية التطور التي نظر فيها كأي عالم بظاهر من الحياة إلى الخصائص الظاهرية للأجنة قبل التميز فدون التشابه الكائن بينها في الأطوار الأولى، فجعل ذلك مستنده في قردية الإنسان!، ولو نظر بعين المسدد لعلم قدرة الرب، جل وعلا، وحكمته، إذ تشابهت الأجنة بداية ثم شاء، عز وجل، أن يظهر بديع صنعه بأن يسير كل جنين في أطوار خاصة به تبعا لخريطته الجينية، فتتشكل الخلايا تبعا لها، فعملية النمو من جهة الحياة الحيوانية الحساسة واحدة في الظاهر، فهذا لحم ودم وعصب، وهذا لحم ودم عصب، ولكن لكل منها خصائص تنفرد بها وإن جمعها جنس الحيوانية المطلق، فهو جنس أعلى يدخل فيه كل من

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير