تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أحبك الله الذي أحببتي فيه أستاذنا الكريم: عز الدين، وبارك فيك وحفظك، وجزاك خيرا على حسن الظن فأنت له أهل.

وعودة إلى سورة الزمر من قوله تعالى:

(أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ (43) قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ):

فذلك من الاستفهام الإنكاري التوبيخي لهم إذ قد اتخذوا من دون الله شفعاء فعلا، فذلك مما يجدر الإنكار على فاعله ولذلك جاء النص على علة بطلان ذلك من باب الحجاج القرآني المفحم، إذ لكل دعوى برهان تصح بصحته وتبطل ببطلانه، على حد القياس المطرد المنعكس، فإن علة اتخاذ الشفعاء من دون الله، على حد الشفاعة المنفية، شفاعة المضطر إلى قبول شفاعة الشافع عنده خشية غضبته فتقع الشفاعة بلا إذنه!، أو شفاعة من له قدر من التصرف في أحداث هذا الكون على حد الشراكة أو الظهارة، فذانك معنيان منفيان بداهة في حق الرب، جل وعلا، فلا غالب له ليقهره ويلجئه إلى قبول شفاعة يكرهها، ولا تصرف لأحد سواه في أحداث هذا الكون على حد الاستقلال بالأمر، بل ما سواه جند كوني له، لا يعمل إلا بأمره، ولا يصدر إلا عن كلماته الكونيات النافذات، فجاء النص على علة ذلك:

لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ: فلا استقلال لهم بملك هو مئنة من دلالة الإيجاد المنفية عنهم بدلالة المنطوق المثبت له، تبارك وتعالى، بدلالة المفهوم، فإن من خلق الشيء أحق بملكه وهم مقرون بأنه، عز وجل، الخالق، فيلزمهم أن يقروا بملكه للأعيان ومُلكه للأحوال، فإذا ثبت له ذلك على حد الانفراد، انتفى عن غيره بداهة، ومنه شفعاؤهم فليس لهم من الملك ما يجوز لهم الشفاعة المنفية، لمضادتها لمعاني الأحدية الوصفية ومنها أوصاف الجلال والقهر، فالرب، عز وجل، هو المنفرد بملك هذا الكون عينا، المنفرد بتدبيره حالا، والتدبير لا يكون إلا بعلم وجكمة ومن لا يعقل لا علم له ولا حكمة بداهة، فانتفت شفاعتهم من هذا الوجه أيضا، فمرد الأمر إلى دلالة الإيجاد وليس لهم منها شيء إذ لم يخلقوا فلا يملكون بداهة، ودلالة العناية بتدبير أمور الكون، وليس لهم منها شيء، أيضا، إذ لا يعقلون فلا علم لهم بدقائق الكون ليسيروه، ولا حكمة لهم فهي التالية للعلم، ليدبروا بها أمر هذه الكون، فليس لهم من علل الإيجاد أو العناية ما يصيرهم شفعاء فكيف بمن اتخذهم آلهة من دون الله، عز وجل، وذلك أمر جار على كل المعبودات المادية أو المعنوية فإن من ابتغى حكم غير الله، عز وجل، فجوز لغيره التشريع والحكم، فرد الأمر إلى العقول المضطربة، فلسان حاله اتخاذ نفسه أو غيره ربا، إذ أثبت له لزوما ملكا وتصرفا في أحداث هذا الكون!، فهو يسير شأن الجماعة بما يراه بعقله أو يجده بذوقه!.

فإذا انتفى عنهم وصف الإيجاد والعناية لزم من ذلك انتفاء الشفاعة والتصرف في الكون في حقهم، فلا يملك غيرهما إلا الله، عز وجل، فالأمر، كما تقدم، جار على حد قياس الطرد والعكس، فإذا وجدت علة الملك والتدبير على حد الانفراد بالربوبية، وجد حكم الانفراد بالألوهية والشفاعة، وحيث عدمت عدم، فذلك الطرد، وحيث ثبت للرب، جل، ضد ما لهم من الفقر والعجز، فله كمال الملك فهو الغني بذاته المغني لسواه، وله كمال التدبير لأمر كونه بسننه المتقن، حيث ثبت له ذلك، ثبت له ضد حكمهم من انتفاء الألوهية والشفاعة فله كمالهما، فذلك قياس العكس بإثبات ضد الحكم لوجود ضد العلة، والكتاب العزيز، كما تقدم مرارا، يخاطب العقول يزيد في ذكائها، ويخاطب القلب بما يزيد في زكائها، فقد جمع بين الذكاء العقلي والزكاء القلبي.

ولذلك جاء النص بإثبات الشفاعة جميعا لله، عز وجل، لتحقق العلة في حقه، عز وجل، فـ: (قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)

فله، عز وجل، الشفاعة جميعا، على حد الاختصاص الذي دلت عليه اللام، فضلا عن تقدم ما حقه التأخير، فتقديم المسند على المسند إليه مئنة من الحصر والتوكيد، و: "أل" في "الشفاعة": عهدية ذهنية تشير إلى أنواع الشفاعة الثابتة دون المنفية، وعلة ذلك: "له ملك السماوات والأرض": على حد ما تقدم من الملكية والاختصاص، فتلك دلالة العناية إذ الملك مئنة من التدبير، فهو، تبارك وتعالى، المنفرد بكمال التدبير، وإليه المرجع ليحكم بين العباد فيما كانوا فيه يختلفون، فله تدبير الأولى والآخرة، فثبت له الوصف الذي علق عليه تمام التصرف بالشفاعة في خلقه فيأذن لمن شاء فضلا، ويحجب من شاء عدلا، وانتفى عمن دونه بدلالة الحصر، فهو يفيد بمنطوقه حصر الشفاعة على المقصور عليه وهو الله، عز وجل، ويفيد بمفهومه أو دليل خطابه نفيها عن غيره، كما تقدم من دلالة الطرد والعكس، فالآيتان مع وجازتهما قد تضمنتا القضية والدليل العقلي الصريح عليها: إثباتا لله، عز وجل، ونفيا عمن سواه.

والله أعلى وأعلم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير