تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[مهاجر]ــــــــ[09 - 03 - 2010, 07:57 ص]ـ

ورجوعا إلى صدر سورة الرعد:

المر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (1) اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا: فتلك من آيات ربوبيته الإيجادية فعلق الوصف الذي دل عليه الخبر فهو وصف في معناه به تتم الفائدة، علق على المعنى الذي اشتقت منه جملة الصلة وهو رفع السماوات والأرض، فالرب، جل وعلا، هو رافع السماء بلا عمد، فذلك من وصف فعله الذي انفرد به فهو من أظهر أدلة عنايته وحفظه لكونه، فالسماء مظلة الأرض فيها تسطع شمس النهار، ويظهر القمر مضيئا، وتنتظم النجوم رجوما وعلامات، وتلتئم السحب فتهطل ماء يروي الشجر والبشر، فرفعها على هذا النحو المعجز، لا يقدر عليه إلا الرب، جل وعلا، ذو الصنع المتقن والفعل المحكم، فهو الذي صنع فأتقن، فـ: (مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ)، وهو الذي فعل في كونه ما شاء بمقتضى حكمة بالغة، فانتظم أمره على ما نرى، فلا يخرج جرم عن فلكه، فلو خرج لانهد العالم وخرب، ولكن الرب، جل وعلا، أمسكه، وأمسك السماوات على حد المضارعة فذلك مئنة من دوام تدبيره لكونه بأوصاف أفعاله المحكمة، فلم يهمل الخليقة، بل نظر في كونه بعين التدبير والعناية فأمسك السماوات لئلا تسقط وأمسك الأجرام في أفلاكها لئلا تخرج، فأوصاف أفعاله قد بلغت الغاية من القدرة والحكمة فمن ذا يقدر على خلق هذه السماوات ورفعها، ومن ذا يقدر على حفظ أجرامها في أفلاكها، ومن ذا ينزل المطر منها، ويسخر الطير في جوها، فكل ذلك مما يقع على حد الاستمرار والتجدد متعلقا بمشيئته العامة فبه حفظ هذا العالم من الفساد، ولو غاب عنه، الرب، جل وعلا، طرفة عين لقوضت أركانه، كما في أثر موسى عليه السلام لما سأل ربه، عز وجل، هل ينام، فجاء الجواب بإبراز صورة النقص الجبلي في الإنسان، فإن أمسك شيئا فغلبه النوم سقط من يده فانكسر، فكذلك السماوات والأرض وسائر أجزاء الكون من العرش إلى ما دونه، إن غاب عنها الرب، جل وعلا، فأخذه عارض سنة أو نوم فضلا عن موت بصلب أو نحوه، كما يزعم أرباب مقالات السوء، فمات ثلاثة أيام ثم صعد إلى ملكوته!، إن غاب لحظة ما بقي هذا الكون، ولذلك قال إمام الموحدين: (لَا أُحِبُّ الْآَفِلِينَ)، فلا أحب من يغيب عن خلقه فهو لا يصلح أن يكون ربا لهم إذ يغيب عنهم فيخفى عليه من شأنهم ما يخفى، فغيابه بذاته فلا يطلع على عباده من عليائه فلا يلزم من اطلاعه عليهم حلوله أو اتحاده بذواتهم كما زعم أرباب مقالات السوء من الحلولية والاتحادية، فغيابه بذاته على هذا الوجه: غياب لأوصاف علمه وحكمته لزوما، فإذا خفي عليه شيء من أمرهم كيف يكون ربا مدبرا لشأنهم، فلزم من ذلك كمال اطلاعه على كونه بعلمه الأزلي الأول، وعلمه المحيط الثاني لكل ذرة حادثة في كونه فيقدرها بالعلم الأول ويحصيها بالعلم الثاني، فالشاهد أنه لا يتصور رب إلا وهو متصف بكمال القدرة والحكمة والعلم، فهو رافع السماوات بقدرته، مدبر أمرها بحكمته، محص لحركاتها بعلمه المحيط فله الحمد على كمال أوصاف ربوبيته: إيجادا وعناية.

ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ: إمعانا في إظهار وصف قدرته، فبعد فعل الرفع للسماء، جاء فعل الاستواء على أعظم المخلوقات على وجه يليق بجلاله فلا يلزم منه افتقار إلى تحت أو تحيز أو حد، بل ذلك مما ثبت له، عز وجل، معنى نعلمه وحقيقة نجهلها وإن لم يحلها العقل فغايته أن يحتار في كنهها، كسائر أوصاف الرب، جل وعلا، الذاتية والفعلية، المعنوية والخبرية، وبعد رفع السماء جاء تصريف أجرامها على جهة التسخير الكوني فسجر الأجرام شموسا وأقمارا كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى في فلك بعينه يسبح إلى أجل بعينه يسير، ثم جاء عموم التدبير لجنس الأمر على جهة الاستغراق، فـ: "أل" للعموم الجنسي الاستغراقي، فذلك من العموم بعد خصوص تدبير السماوات وأجرامها، فيدبر كل أمر: كونا وشرعا، فذلك من العموم المحفوظ فلا مخصص له، إذ لا يتصور تخصيص في أمر الربوبية فليس ثم رب ينفرد بالتدبير سوى الله، عز

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير