تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

متصفون على جهة اللزوم الذاتي، أيضا، فمقابل غناه عن الأسباب والأزواج، لا غنى لخلقه عن الأسباب التي بها صلاح أديانهم وأبدانهم والأزواج التي بها بقاء أنواعهم.

وجاء توكيد الزوجين بوصف: "اثنين" توكيدا للمنة، ثم جاء بيان آية أخرى من آيات كونه على حد المضارعة فهي متجددة بتجدد الليل والنهار فذلك أبلغ في تذكير العباد، فما يراه الإنسان كل يوم من الأحوال الكونية التي لا يقدر على تصريفها بشر، وما يباشره من الأسباب التي بها يحفظ جسده ونوعه، من تغذ وتناكح .... إلخ، كل أولئك من السنن الكونية المطردة الدالة على كمال ربوبيته تبارك وتعالى، فأوجد الكون بقدرته وسيره بحكمته، ولازم ذلك: "إنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ"، فجاء التفكر على زنة التفعل مئنة من التوكيد، كما ذكر ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، على ما اطرد من كلام البلاغيين من كون زيادة المبنى مئنة من زيادة المعنى، فالتفكر من آكد واجبات العبودية لمن عاين آيات الربوبية الكونية، فالتلازم بين التأله من المكلف بتوحيد الرب، جل وعلا، بأفعال التعبد، وتوحيد ربوبية الباري، عز وجل، بأفعاله الكونية، تلازم وثيق كما سبقت الإشارة إلى ذلك.

وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ:

فهي قطع متجاورات، ومع ذلك، نبت في كل منها صنف مختلف، فذلك آكد في بيان قدرة الرب، جل وعلا، على التنويع في خلقه، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، مع وحدة الأصل فكلها من طين الأرض نابت، ومع ذلك اختلفت في الأصناف، والأنواع إن كانت من صنف واحد، واختلفت في الطعم، فبعضها قد فضل على بعض، بل ربما كانت متجاورة فنبت في كل منها أنواع مختلفة من صنف واحد فبقعة تنبت عنبا كبير الحب، وبقعة تنبت عنبا صغير الحب، وبقعة تنبت عنبا داكنا وأخرى تنبت عنبا فاتحا، ولم تخطئ بذرة يوما طريقها فهي محكومة بسنن كوني مطرد، فبذرة كل نبت لها من الخصائص الجينية ما يميزها عن بقية البذور، فرعا عن التباين في عدد الكروموسومات أو الصبغيات، فكروموسومات بذرة الذرة تباين في عددها كروموسومات بذرة القمح أو الشعير أو القطن ....... إلخ، فشاء لها الرب، جل وعلا، بقدره الكوني النافذ، من الخصائص ما لم يشأ لغيرها فرعا عن تركيبها الجيني الذي انفردت به فلا يشاركها فيه جنس آخر ولو كان وثيق الصلة بها، فالقمح يباين الشعير مع ما بينهما من التشابه، بل ربما كانت الثمرتان من شجرة واحدة، وإحداهما حلوة، والأخرى مرة، فكل ذلك مئنة من قدرة الرب، جل وعلا، على خلق جميع الأصناف تشابهت أو تباينت، وحكمته في إجراء سننه الكوني على هذا النحو الباهر المتقن فلكل نوع خريطته الجينية التي تميزه عن بقية الأنواع بل لكل فرد، داخل النوع الواحد، خريطته التي تميزه عن بقية الأفراد، فليست جينيات زيد كجينات عمرو، وإن كانا من نوع واحد ذي عدد واحد من الكروموسومات، وجاء تعداد الأصناف في الآية، أيضا، إمعانا في تقرير المنة بتنوع المآكل، فهذا موضع يناسبه الإطناب، وجاءت منكرة على ما اطرد من دلالة النكرة على الشيوع فهو مئنة من الكثرة، فذلك، أيضا، مما يلائم سياق الامتنان، وخص النخل بوصف الصنوان المتفرعان من أصل واحد، والمنفرد لكون العبرة فيه أظهر، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير"، وعلى ما اطرد من التلازم الوثيق بين الربوبية والألوهية جاء النص على العبرة من سرد هذه الآيات الكونيات الباهرة، فبها تقرر توحيد الرب، عز وجل، بأفعاله، وهو الذريعة إلى توحيده بأفعال عباده تألها، فصدر العلة بالمؤكد، فذلك مئنة من التنصيص على العلة كما اطرد من كلام الأصوليين، فتصدير الجملة بـ: "إن" مشعر بكون ما قبلها علة ما بعدها، على حد الفصل لشبه كمال الاتصال بينهما على ما اطرد من التلازم الوثيق بين العلة ومعلولها، ومن جهة أخرى، تشير الآيات من طرف لطيف في معرض خطاب المنكرين للبعث إلى أن الموجد لهذه الكائنات على هذا النحو الباهر، فقد

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير