تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[مهاجر]ــــــــ[14 - 03 - 2010, 08:09 ص]ـ

ومن سورة النمل:

ومن قوله تعالى: (وَلُوطًا آَتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ (74) وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ):

فذلك مئنة من العناية بلوط، عليه السلام، وهو جار على ما تقرر من عنايته، عز وجل، العناية الكونية الخاصة برسله، عليهم السلام، فقدم في الذكر إمعانا في العناية به، على ما اطرد من كلام البلاغيين في مبحث التقديم والتأخير، فيقدم الشيء في الذكر مئنة من كونه محط الفائدة، ويقدم مئنة من الحصر والتوكيد، ولو قيل بالحصر هنا فهو إضافي من باب المبالغة إذ لم يختص لوط عليه السلام بالحكمة والعلم، فإن ذلك قدر مشترك بين الأنبياء، عليهم السلام، بل لغيره منها أعظم مما له، كأولي العزم، عليهم السلام، فهم صفوة الرسل الكرام، فلغيره منها نصيب بل وله منها أعظم مما له، كما تقدم، وإن اشترك جميعم في القدر الكلي المشترك، وهو قدر النبوة فذلك وصف كلي جامع لكل من نزل عليه الوحي، فهم فيه سواء، وإنما يقع التفاضل بينهم بنصيب كل منهم منه، فمنهم من نصيبه النبوة إحياء لما درس من آثار رسالة تقدمته، ومنهم من نصيبه رسالة ناسخة لبعض أحكام رسالة من تقدمه، ومنهم من نصيبه رسالة محلية، ومنهم من نصيبه رسالة عالمية، و: (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ).

فآتيناه النبوة والشريعة، فالحكمة هي النبوة، وهي ترد بمعنى السنة إذا اقترنت بالكتاب، فلها دلالات تتنوع بتنوع السياقات التي ترد فيها، على ما اطرد من دلالة الاقتران والافتراق في نصوص الوحي، فيستقل اللفظ بالمعنى كله إن ورد منفردا، فالنبوة تشمل: الكتاب المنزل والسنة، فتكون الحكمة عامة لكليهما إذ رادفت النبوة عند انفرادها، ويستقل ببعض المعنى إن ورد مقترنا، فتستقل الحكمة بسنة النبي دون الكتاب المنزل عليه إن كان ممن نزل عليه كتاب.

والعلم هو العلم بأحكامها، فذلك من الإطناب في بيان النعمة، فأوتي اللفظ والمعنى فليس حظه من النبوة أماني كحظ من تلا المباني دون فقه للمعاني، فالنبوة: حروف وحدود فلا يجدي من وقف على حروفها دون حدودها شيئا وفي حديث زِيَادِ بن لَبِيدٍ الأَنْصَارِيِّ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ يُقْبَضُ الْعِلْمُ وَنَحْنُ نَقْرَأُ الْقُرْآنَ ونُعَلِّمُهُ أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا وأَرِقَّاءَنَا؟ قَالَ: وَاللَّهِ إِنْ كُنْتُ لأَحْسَبُكَ يَا زِيَادُ لَمِنْ فُقَهَاءِ الْمُسْلِمِينَ، أَلَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّ التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ أُنْزِلَتْ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فَمَا نَفَعَهُمْ إِذْ لَمْ يَعْمَلُوا بِهِ؟.

فتلوها أماني لفظية دون تحقيق لمعانيها بالفعل المصدق للقول، فالتلاوة: تلاوة لفظية باللسان، وتلاوة فعلية بالجوارح فتتبع الجوارح اللسان، ويتبع اللسان التالي لكلمات الوحي المنزلة، الفؤاد الذي تقوم به العلوم النافعة التي لا تتلقى إلا من مشكاة النبوات فتنتج في المحل آثارها النافعة من إرادات صالحة تظهر آثارها على اللسان والجوارح، فيؤثر الظاهر تلاوة في الباطن علما نافعا وإرادة صالحة، فيرتد ذلك الأثر على الظاهر ذكرا نافعا بالقول والجوارح، فالتلازم بينهما وثيق وتأثير كل في كل ظاهر.

فالعلم النافع ما قام عليه الدليل من كلام النبوات الهادية، فتلك صحة الدليل، وما أثر في صاحبه علما نافعا فتلك صحة الاستدلال. ولا يحصل تمام الانتفاع إلا بذلك، فلا بد أن يكون المستند العلمي: نبوة صحيحة الإسناد سالمة من التبديل والتحريف، ولا بد أن يكون المستند الإرادي: إرادة صالحة يهبها الرب، جل وعلا، من علم من عباده قبول محالهم لآثارها فذلك من فضله على من اصطفى من خلقه، ولا بد أن يكون الاستدلال على منهاج النبوة فلا يستقل عقل أو ذوق بتشريع فردي أو جماعي، فذلك مما اختصت به النبوات فهي كلمات الرب، جل وعلا، الشرعيات، فمن نازعه حكمه فقد نازعه كلماته، فادعى لنفسه من وصف الرب، جل وعلا، ما يدعو به غيره إلى تأليهه وعبادته من دون الله، بلسان الحال أو المقال إن بلغت

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير