تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وقاحته الحد الأقصى كحال فراعين الأمم.

وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ:

فذلك من الإطناب في بيان عنايته، عز وجل، برسوله، لوط، عليه السلام، فالزيادة في مبنى فعل الإنجاء مئنة من الزيادة في المعنى، فضلا عن نسبته إلى ضمير الفاعلين فذلك أليق بسياق الامتنان وما يلزم منه من وصف الجلال بإهلاك أعدائه، وجاء المفعول مفردا مئنة من هلاكهم جميعا لتكذيبهم جميعا، باستثناء لوط وابنتيه، فهما منه، فذلك وجه الإفراد فهو بالنظر إلى المعنى وإن تعددت الأفراد في الخارج، و: "أل" في القرية عهدية تشير إلى قرى قوم لوط، عليه السلام، فذلك وجه العهد فيها فضلا عن دلالتها على جمع محصور، فهي قرى لا قرية فيكون ذلك وجه عموم في "أل" فهي جنسية من هذا الوجه، وإن لم تدل على استغراق عموم ما دخلت عليه، وجاء وصف القرية بالموصول تعليقا للحكم بإهلاكهم وإنجاء لوط، عليه السلام، منهم، على الوصف الذي اشتقت منه الصلة، وهو وصف ارتكاب الفواحش الذي أغنى عن ذكر شركهم فهو فرع عنه، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فهي معصية من القبح الشنيع بمكان، فذكرها مغن عن ذكر أصلها، ففساد التصور العلمي، وأعظم صوره الشرك والكفر، أصل لكل فساد عملي، فتكون: "أل" في: "الخبائث" عهدية تشير إلى جنس من الخبث بعينه، وإنما جمع لتكرار وقوعه فذلك بالنظر إلى أفراده، فقد تكرر الفعل القبيح وتعدد فاعلوه بل وأظهروه في الأندية وذلك أفحش من وقوع المعصية، فالجهر بها مئنة من عظم استخفاف صاحبها بالشرع المنزل وذلك بدوره مئنة من قرب وقوع العقوبة الجماعية فلا يستثنى صالح منها بل تعم أهل القرية الخبيثة ويبعث كل على ما مات عليه فتلك سنة كونية مطردة.

وذكر صاحب "أضواء البيان" رحمه الله: وجها آخر لم يقصر فيه الخبائث على الفاحشة، بل استقرأ أفرادها في آي التنزيل على ما اطرد من طريقته في بيان التنزيل بالتنزيل، فقال:

"والخبائث التي كانت تعملها جاءت موضحة في آيات من كتاب الله: منها اللواط، وأنهم هم أول من فعله من الناس، كما قال تعالى {أَتَأْتُونَ الفاحشة مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن العالمين} [الأعراف: 80]، وقال: {أَتَأْتُونَ الذكران مِنَ العالمين وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ} [الشعراء: 165 - 166]. ومن الخبائث المذكورة إتيانهم المنكر في ناديهم، وقطعهم الطريق، كما قال تعالى: {أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرجال وَتَقْطَعُونَ السبيل وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ المنكر} [العنكبوت: 29] الآية. ومن أعظم خبائثهم: تكذيب نبي الله لوط وتهديدهم له بالإخراج من الوطن. كما قال تعالى عنهم: {قَالُواْ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يالوط لَتَكُونَنَّ مِنَ المخرجين} [الشعراء: 167]، وقال تعالى: {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قالوا أخرجوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} [النمل: 56] إلى غير ذلك من الآيات". اهـ

وإسناد الوصف إلى القرية دون ساكنيها، كما ارتضى ذلك أبو السعود، رحمه الله، آكد في الذم، فهو وصف قد عم جميع أهلها حتى صحت نسبة الوصف إليها، وهو، أيضا، من إيجاز الحذف، على تقدير: "أهل" على وزان: "واسأل القرية"، وذلك شاهد لمن أثبت مجاز الحذف، والمنكر له يقول بأن معنى الجمع الذي اشتق من لفظ: "القرية" معنى كلي يعم جمع المباني تارة، وجمع ساكنيها أخرى، والسياق هو الذي يعين مراد المتكلم، ولا مانع هنا من حمل اللفظ على معنييه، فقد أنجاه الرب، جل وعلا، من المساكن إذ هدمت، وساكنيها إذ أهلكوا، فذلك شاهد لمن قال بجواز الجمع بين دلالتي اللفظ على الحقيقة والمجاز في آن واحد، ثم جاء التوكيد فهو بمنزلة التعليل: إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ، فوصفهم بالمصدر إمعانا في الذم، وعطف عليه المشتق إذ أراد بالمصدر الجامد دلالة المشتق منه، على جهة المبالغة كما تقدم، فتأويله بالمشتق آكد في المبالغة من وجه، وجار على ما اطرد من كلام النحاة من كون التماثل في العطف هو الأصل فيعطف

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير