تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الجامد على الجامد ويعطف المشتق على المشتق.

وأجمل الإهلاك في هذه الآية وبين في مواضع أخر من التنزيل كقوله تعالى: {فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ}.

وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ:

فذلك من تمام عنايته، عز وجل، بعبده لوط عليه السلام، فنجي من العذاب فذلك من درء المفسدة، وأدخلناه في رحمتنا فذلك من جلب المصالح فقدم درء المفسدة على جلب المصلحة كما اطرد في كلام أهل العلم ممن كتب في الفقه ومقاصده، وجاء الإدخال كالإنجاء مسندا إلى ضمير الفاعلين مئنة من قدرة الرب، جل وعلا، الذي نجاه من العذاب وأدخله في الرحمة.

ونسبت الرحمة، وهي من وصف جمال الرب، جل وعلا، إلى ضمير الفاعلين على ما اطرد من كمال عنايته، عز وجل، بعبده لوط، عليه السلام، وهي تحتمل الوصف القائم بذات الرب، جل وعلا، فهي رحمة غير مخلوقة، فيكون التقدير بحذف المضاف إيجازا: وأدخلناه في أهل رحمتنا من المؤمنين فالرسل، عليهم السلام، أولى الناس بالدخول في هذا الحزب المفلح الناجي، وتحتمل الرحمة المخلوقة على تقديرها بالجنة، فالرسل من أهل الجنة بداهة، بل هم أول الناس جوازا على الصراط، وأول الناس دخولا للجنان، وقد أشار أبو السعود، رحمه الله، إلى كلا الوجهين.

وجاء التذييل بالعلة: إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ، في مقابل وصفهم بالفاسقين، فذلك من المقابلة إمعانا في تقرير السنة الربانية، فأهلكوا لفسقهم، وفي مقابل ذلك: أنجي لصلاحه، فالفسق علة الهلاك فيدور معه وجودا وعدما فمتى عدم وجد ضده من الصلاح فصار صاحبه أهلا للنجاة في الدارين بصلاح الحال والمآل، فالنبوات قد تكفلت بذلك، ونفس الأمر يجري على الصلاح فهو علة النجاة فيدور معها وجودا وعدما فمتى عدم وجد ضده من الفسق فصار صاحبه أهلا للهلاك في الدارين بفساد الحال والمآل.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[15 - 03 - 2010, 08:35 ص]ـ

ومن سورة الكهف:

ومن رحلة الكليم والخضر، عليهما السلام، وفيها من صور العناية بأصحاب السفينة وأبوي الغلام واليتيمين إذ كان أبوهما صالحا ما فيها:

ومن قوله تعالى: (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا):

فذلك للتفصيل لما أجمل فأشكل على الكليم عليه السلام، فالسفينة، و: "أل" فيها للعهد الذهني، فهي السفينة المعهودة في الأذهان، فكانت لمساكين، أثبت الله، عز وجل، لهم وصف الحاجة، مع أنهم يملكون سفينة، وذلك مما احتج به أهل العلم على أن الزكاة تعطى لمن يملك، إن كان ملكه لا يفي بحاجته، فيعطى منها من له الدار والفرس، كما أثر عن بعض السلف، ووصف المسكنة يواطئ لفظ الفقر فكلاهما يدل على معنى الحاجة، وإن كان ذلك في الفقر أظهر، فالفقير أشد حاجة من المسكين، فاتفقا في أصل المعنى واختلفا في فرعه، وهما عند من تكلم في دلالات الألفاظ: مما تختلف دلالته بالاقتران والافتراق، فإذا افترقا اتفقا، فتكون دلالة كل منهما على الآخر: دلالة المرادف على مرادفه، فالفقر هو المسكنة حال الافتراق، فكل منهما يدل على نفس القدر من الحاجة والعوز، وإذا اقترنا اختلفا، فتكون النسبة بينهما نسبة: الاختلاف، فكل منهما يدل على قدر من الحاجة لا يدل عليه الآخر، فالفقير أشد حاجة من المسكين، فيشتركان في أصل المعنى دون فرعه، فاشتراكهما في الأصل من قبيل: الاشتراك المعنوي، واختلافهما في الفرع من قبيل: التواطؤ أو التشكيك عند من يقول بالألفاظ المشككة التي تتباين دلالتها على شدة الوصف وإن اشتركت في أصله، كاشتراك الجلد والثلج في وصف البياض، فهو في كليهما متحقق، وإن اختلفت شدته فيهما، فهو في الثلج أشد، فكذلك الفقر، فوصف الحاجة فيه أشد.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير