تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

باعتبار المآل، فإن فقد الولد بل والنفس أهون من فقد الدين، ففقد الأولين: فساد في أمر الدنيا يحتمل، والثاني: فساد في أمر الدين لا يحتمل، وفي التنزيل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)، فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا: وذلك أيضا من أظهر أدلة نبوته عليه السلام فإن ذلك الفعل لا يكون إلا بوحي، وإلا جاز لكل من خشي من غلامه فسادا أو توسم فيه ضلالا أن يقتله!، فلا يكفي الحدس أو الكشف في أمر الدماء، بل وفيما هو دونها، فالكشف لا يعدو كونه من الوقائع العينية، فلو صح في حق الآحاد فإنه لا يصلح شرعا عاما في حق الجماعات، فغايته أن يكون خارقة أو كرامة، وتلك أمور نادرة الحدوث في عالم البشر، والنادر لا حكم له، كما تقرر في الأصول، وإلى طرف من ذلك أشار الشاطبي، رحمه الله، في "الاعتصام"، في معرض بيان خطأ مسلك أهل الطريق في اعتمادهم على الكشف في تقرير الأحكام، أشار بقوله:

"فمن ذلك أنهم يعتمدون في كثير من الأحكام على الكشف والمعاينة وخرق العادة فيحكمون بالحل والحرمة ويثبتون على ذلك الإقدام والإحجام كما يحكى عن المحاسبي أنه كان إذا تناول طعاما فيه شبهة ينبض له عرق في أصبعه فيمتنع منه.

وقال الشبلى: اعتقدت وقتا أن لا آكل إلا من حلال فكنت أدور في البراري فرأيت شجرة تين فمددت يدى إليها لآكل فنادتني الشجرة: احفظ عليك عهدك لا تأكل مني فإني ليهودي.

وقال إبراهيم الخواص رحمه الله: دخلت خربة في بعض الأسفار في طريق مكة بالليل فإذا فيها سبع عظيم فخفت، فهتف بي هاتف اثبت فإن حولك سبعين ألف ملك يحفظونك.

فمثل هذه الأشياء إذا عرضت على قواعد الشريعة ظهر عدم البناء عليها

إذ المكاشفة أو الهاتف المجهول أو تحرك بعض العروق لا يدل على التحليل ولا التحريم لإمكانه في نفسه وإلا لو حضر ذلك حاكم أو غيره لكان يجب عليه أو يندب البحث عنه حتى يستخرج من يد واضعه بين أيديهم إلى مستحقه.

ولو هتف هاتف بأن فلانا قتل المقتول الفلاني أو أخذ مال فلان أو زنى أو سرق، أكان يجب عليه العمل بقوله أو يكون شاهدا في بعض الأحكام بل لو تكلمت شجرة أو حجر بذلك أكان يحكم لحاكم به أو يبنى عليه حكم شرعي هذا مما لا يعهد في الشرع مثله". اهـ

"الاعتصام"، (1/ 206، 207).

ومن طريف ما يحكى من تاريخ الجزيرة الأندلسية المفقودة:

تاريخ نشأة مدينة القديس يعقوب: شنت ياقب أو "سنتياجو" وهو يواطئ اسم عاصمي تشيلي اليوم، وإليه أشار الأستاذ محمد عبد الله عنان، رحمه الله، في "دولة الإسلام في الأندلس" بقوله:

"وفي أواخر عهد ألفونسو الثاني، الملقب بـ "العفيف": El Casto ، وقع حدث ديني كان له فيما بعد أثر عميق في توجيه مصاير المملكة النصرانية، هو اكتشاف قبر القديس: "ياقب"، وهو القديس يعقوب أو: يعقوب الحواري، (فهو بحسب الرواية من حواري المسيح عليه السلام مع ما قد علم من اضطراب النصارى باعتراف كبارهم في معرفة أعيان الحواريين مع كونهم آحادا يعدون على الأصابع!)، وتذكر الأسطورة أنه لما قتل بأمر "هيرود" الثاني ملك بيت المقدس، حمل تلاميذه جثته في مركب جاز به البحر المتوسط إلى المحيط، ثم حملتهم الرياح شمالا حتى انتهوا إلى موضع في قاصية: "جليقية"، ودفنوا جثمان القديس في سفح تلال هنالك. ومضت العصور، وغاض القبر ولم يعلم مكانه، حتى كانت سنة 835 م، حيث زعم القس: "تيودمير" أسقف: "إيريا" أنه اكتشف القبر، هداه إليه ضوء نجم!، وحمل النبأ في الحال إلى الملك، فأمر أن يبنى فوق البقعة كنيسة، وذاعت الأسطورة في جميع الأنحاء، وصدقها المؤمنون دون تردد!، وهرعوا يحجون إلى البقعة المقدسة، وقامت حول المزار المزعوم مدينة نمت بسرعة، وغدت مدينة شنت ياقب: Santiago De Compostela المقدسة، وأنشئت فيما بعد فوق القبر مكان الكنيسة الساذجة كنيسة جامعة "كتدرائية"، غدت من أعظم كنائس إسبانيا ضخامة وروعة وفخامة. وكان لقيام هذه المدينة المقدسة أثر كبير في إذكاء الحماسة الدينية والعاطفية القومية في إسبانيا، وغدا

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير