تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

القديس ياقب حامي إسبانيا كلها، وغدا قبره من أشهر المزارات النصرانية في أوروبا". اهـ

بتصرف من: "دولة الإسلام في الأندلس"، (1/ 220، 221).

فالأمر لا يعدو كونه ضوءا من نجم! صير المدينة مهوى أفئدة محبي القديس يعقوب، فإليها تشد الرحال، ومستند الرحلة الإيمانية: رؤية نجم! صار بها مقبور من عدة قرون حامي إسبانيا!، فأين ذلك من مستند الخليل عليه السلام إذ حمل سارة ووليدها، عليهما السلام، إلى واد غير ذي زرع، بوحي رحماني من الرب العلي، تبارك وتعالى، فلسان مقاله: (رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ)، ولسان حاله: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ). فهذا مستند الأنبياء عليهم السلام في عمارة المساجد، وذلك مستند أهل الإحداث في الملل والنحل في عمارة المشاهد والأضرحة.

وهو يشبه إلى حد كبير ما يقع من غلاة أهل القبلة الذين يقيمون الأضرحة والمشاهد ويصيرونها كعبات تهوي إليها القلوب وتشد إليها الرحال، فكأن السائر إليها حاج بل عند بعضهم، أو كثير منهم، ولو بلسان حاله، الحج إليها مقدم على الحج إلى بيت الله، فيسيرون على الدواب من أقاصي البلاد وبعضهم يسير على قدميه، وبعضهم يسير زحفا إمعانا في إهانة نفسه تعبدا ورقا لصاحب الضريح!، فتصرف تلك الهمم والقوى لتقرير ما جاءت النبوات بإبطاله من الشرك الصراح، وإبطال ما قررته من التوحيد: خلاصة كلام النبوات المحكمات.

وذلك مما سرى إلى أهل الطريق من رهبان النصارى الذين جعلوا مستندهم في كثير من شرائعهم: المنامات والكشوفات والأذواق، حتى استحلت الخبائث برؤيا راهب رأى في المنام شيطانا يوحي إليه بحل كل أصناف الطعام والشراب!، ودين النصارى ما بين نقل محرف مبتور يفتقر إلى كثير من الأحكام لطروء التبديل المستمر على شرائعه فالنسخ حق مشروع لكل قسيس وقديس!، فلما افتقرت تلك الشرائع المبتورة إلى جملة وافرة من الأحكام لتحريف النبوة الصحيحة، كان رد الفعل الطبيعي البحث عن مصادر بديلة أو مكملة لتلك الشرائع المحرفة فدخلت المنامات والكشوفات لتسد هذه الثغرة التشريعية، وهي مضطربة تتفاوت من نائم إلى آخر!، فتتعدد الشرائع بتعدد النائمين!، وإن شئت الدقة فقل بتعدد الكوابيس والأحلام الشيطانية فكل يرى ما يروق له فيصيره دينا واجب الاتباع، فالرهبان قد صيروا شخوصهم ضلالا للإله الذي في السماء، أو للمسيح عليه السلام الذي غلوا فيه فصيروه الإله المعبود، وما هو إلا عبد رسول، أنعم الرب، جل وعلا، عليه بالنبوة الخاتمة لنبوات بني إسرائيل فـ: (إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ)، فما عقدوه في الأرض ولو كان نقضا للنبوات فلا يملك من في السماء حله، فقد تواطئوا على الشرك الصراح في مجمع نيقية فصار دينا لا يحل خلافه، فبطشوا بالمخالف، ولو كان غاليا مثلهم، كما بطش الكاثوليك بالأرثوذكس في مصر فهم مخالفون لهم في النحلة وإن جمعتهم ملة واحدة حتى جاء الفتح الإسلامي المبارك، وذلك مسلك كل مبتدع في الديانة فرسمه الجهل والتعصب، فيحدث مقالة تخالف الشرع بل والعقل في كثير من الأحيان، فإنه لا يخرج عن مقالة النبوات الصحيحة إلا فاسد المزاج مختل القياس، ثم يمتحن غيره بها، فمن أجاب فهو المهتدي ومن لم يجب فلن تجد له وليا مرشدا!، ولو سألت عن الدليل على صحة تلك الهواجس، فالدليل: عدم الدليل!، فليس ثم إلا دعاوى لا مستند لها من نبوة صحيحة أو عقل صريح، بل كل مستند صالح للاستدلال ولو كان بقية عقل سليم ينقضها نقضا، وما حلوه، ولو كان ما عقده الأنبياء من عقد التوحيد المتين فلا يعقد في السماء، فالرب، جل وعلا، لا يملك دفعا أو رفعا لمقالاتهم ولو كانت نقضا صريحا لما بعث به رسله عليهم السلام!.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير